قوله :﴿ فَعَلَى الله ﴾ جواب الشَّرط، وقوله ﴿ فأجمعوا ﴾ عطف على الجواب، ولم يذكر أبُو البقاء غيره، واستُشْكِل عليه أنَّه متوكلٌ على الله دائماً، كبُر عليهم مقامُه أوْ لمْ يَكْبُرْ.
وقيل : جوابُ الشَّرط قوله :« فأجْمِعُوا » وقوله :﴿ فَعَلَى الله تَوَكَّلْتُ ﴾ : جملةٌ اعتراضية بين الشَّرطِ وجوابه؛ وهو كقول الشاعر :[ الكامل ]

٢٩١٢- إمَّا تَرَيْنِي قَد نَحَلٍْتُ ومَنْ يكُنْ غَرضاً لأطْرَافِ الأسنَّةِ يَنْحَلِ
فلرُبَّ أبْلَجَ مثلِ ثِقْلِكِ بَادِنٍ ضَخْمٍ على ظَهْرِ الجَوَادِ مُهَيَّلِ
وقيل : الجوابُ محذوفٌ، أي : فافْعَلُوا ما شِئْتُم.
وقرأ العامَّة « » فأجْمِعُوا « أمْراً من » أجْمَع « بهزة القطع، يقال : أجمع في المعاني، وجمع في الأعيان، فيقال : أجْمَعْتُ أمري، وجمعتُ الجيشَ، هذا هو الأكثر. قال الحارثُ بن حلِّزة :[ الخفيف ]
٢٩١٣- أجْمَعُوا أمْرَهُمْ بِليْلٍ فلمَّا أصْبَحُوا أصْبَحَتْ لَهُمْ ضَوْضَاءُ
وقال آخر :[ الرجز ]
٢٩١٤- يَا لَيْتَ شِعْرِي والمُنَى لا تَنْفَعُ هَلْ أغْدُوَنْ يَوْماً وأمْرِي مُجْمَعُ؟
وهل أجمع متعدِّ بنفسه، أو بحرف جر ثم حذف اتساعاً؟
فقال أبو البقاء : من قولك أجمعتُ على الأمْرِ : إذا عزمتَ عليه؛ إلاَّ أنَّه حُذفَ حرفُ الجر فوصل الفعل إليه، وقيل : هو متعدٍّ بنفسه، وأنشد قول الحارث.
وقال أبو فيد السَّدُوسي : أجمعت الأمر، أفصحُ من أجمعت عليه.
وقال أبو الهيثم : أجمع أمرهُ جعلهُ مجموعاً بعد ما كان متفرقاً، قال : وتفرقته أن يقول مرَّة افعل كذا، ومرَّة افعل كذا، وإذا عزم على أمرٍ واحدٍ، فقد جمعه أي : جعله جميعاً، فهذا هو الأصلُ في الإجماع، ثم صار بمعنى : العزْم، حتى وصل ب »
عَلَى « فقيل : أجمعتُ على الأمر؛ أي : عَزَمْتُ عليه، والأصلُ : أجمعتُ الأمرَ.
وقرأ العامَّةُ :»
وشُركَاءَكُم « نصباً وفيه أوجه :
أحدها : أنَّه معطوفٌ على »
أمركُم « بتقدير حذف مضافٍ، أي : وأمر شركائكم؛ كقوله :﴿ واسأل القرية ﴾ [ يوسف : ٨٢ ]، ودلَّ على ذلك ما تقدَّم من أنَّ » أجمع « للمعاني.
الثاني : أنَّه عطفٌ عليه من غير تقدير حذف مضافٍ، قيل : لأنَّه يقال أيضاً : أجمعت شركائي.
الثالث : أنَّه منصوبٌ بإضمار فعلٍ لائق، واجمعُوا شركاءكم بوصل الهمزة، وقيل : تقديره : وادعوا، وكذلك هي في مصحف أبيِّ »
وادعوا « فأضمر فعلاً لائقاً؛ كقوله - تعالى - :﴿ والذين تَبَوَّءُوا الدار والإيمان ﴾ [ الحشر : ٩ ]، أي : واعتقدوا الإيمان.
ومثله قول الآخر :[ الرجز ]
٢٩١٥- عَلفتُهَا تِبْناً ومَاءً بَارِداً حتَّى شَتَتْ همَّالةً عَيْنَاهَا
أي : وسقيتها ماءً؛ وكقوله :[ مجزوء الكامل ]
٢٩١٦- يا لَيْتَ زَوْجَكش قَدْ غَدَا مُتَقَلِّداً سَيْفاً ورُمْحَا
وقول الآخر :[ الوافر ]
٢٩١٧- إذَا مَا الغَانِيَاتُ يَرَزْنَ يَوْماً وزجَّجْنَ الحَواجِبَ والعُيُونَا
يريد : ومُعْتَقِلاً رمحاً، وكحَّلنَ العُيُونا، وقد تقدَّم أنَّ في هذه الأماكن غير هذا التخريج.
الرابع : أنه مفعولٌ معه، أي :»
مع شُركائكم «.
قال الفارسيُّ : وقد يُنْصَب الشُّرَكاء بواو »
مع «، كما قالوا : جاء البرد والطَّيالسة، ولم يذكر الزَّمخشريُّ غير قول أبي علي.


الصفحة التالية