قال الزَّجَّاج :« معناه : فأجمعُوا أمركم مع شُركائِكُم، فلما ترك انتصب ».
قال أبو حيَّان :« وينبغي أن يكون هذا التخريجُ على أنَّه مفعولٌ معه من الفاعل، وهو الضمير في » فأجْمِعُوا « لا من المفعول الذي هو » أمْرَكُمْ « وذلك ‘لى أشهر الاستعمالين؛ لأنَّه يقال :» أجمع الشركاءُ أمرهم « ولا يقال :» جمع الشركاء أمرهم « إلا قليلاً ».
قال شهاب الدين : يعني : أنَّهُ إذا جعلناه مفعولاً معه من الفاعل، كان جائزاً بلا خلافٍ، وذلك لأنَّ من النَّحويين من اشترط في صحَّة نصب المفعول معه : أن يصلح عطفُه على ما قبله، فإنْ لَمْ يصلح عطفه، لم يصحَّ نصبُه مفعولاً معه، فلو جعلناه من المفعول لم يجز على المشهور، إذ لا يصلح عطفه على ما قبله؛ إذ لا يقال : أجمعت شركائي، بل جمعت.
وقرأ الزهري، والأعمش، والأعرج، والجحدري، وأبو رجاء، ويعقوب، والأصمعي عن نافع :« فاجْمَعُوا » بوصل الألف، وفتح الميم من جمع يجْمَعُ، و « شُرَكاءكُمْ » على هذه القراءةِ يتضح نصبه نسقاً على ما قبله، ويجوز فيه ما تقدَّم في القراءة الأولى من الأوجه.
قال صاحبُ اللوامح : أجمعت الأمر : أي : جعلته جميعاً، وجمعتُ الأموال جمعاً، فكان الإجماع في الأحداث، والجمعُ في الأعيان، وقد يستعمل كلُّ واحدٍ مكان الآخر، وفي التنزيل :﴿ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ﴾ [ طه : ٦٠ ] وقد اختلف القراء في قوله :﴿ فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ﴾ [ طه : ٦٤ ].
فقرأ الستَّة : بقطع الهمزة، جعلوه من « أجْمع » وهو موافق لما قيل : إنَّ « أجْمَع » في المعاني.
وقرأ أبو عمرو وحدهُ « فاجْمَعُوا » بوصل الألف، وقد اتفقوا على قوله ﴿ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أتى ﴾ [ طه : ٦٠ ]، فإنَّه من الثلاثي، مع أنَّه متسلِّطٌ على معنًى، لا عينٍ.
ومنهم من جعل للثلاثي معنى غير معنى الرُّباعي؛ فقال في قراءة أبي عمرو : من جمع يَجْمع ضد فرَّق يفرق، وجعل قراءة الباقين من : أجمع أمرهُ إذا أحكمه وعزم عليه، ومنه قول الشاعر :[ الرجز ]
٢٩١٨- يَا ليتَتْ شِعْرِي والمُنَى لا تَنْفَعُ | هَلْ أغْذُونْ يوماً وأمْرِي مُجْمَع؟ |
وقرأ الحسن، والسلمي، وعيسى بن عمر، وابن أبي إسحاق، وسلام، ويعقوب :« وشُرَكاؤكُمْ » رفعاً، وفيه تخريجان :
أحدهما : أنَّه نسقٌ على الضَّمير المرفوع ب « أجْمِعُوا » قبله، وجاز ذلك؛ إذ الفصل بالمفعول سوَّغ العطف.
والثاني : أنه مبتدأ محذوف الخبر، تقديره : وشُركاؤكُم فليُجْمِعُوا أمرهم، وشذَّتْ فرقةٌ فقرأت :« وشُرَكائِكُمْ » بالخفضِ، ووُجِّهَتْ على حذف المضاف، وإبقاء المضاف إليه مجرُوراً على حاله؛ كقول الشاعر :
٢٩١٩- أكُلَّ امرِىءٍ تَحْسِبينَ امْرَءًا | ونَارٍ توقَّدُ باللَّيْل نَارَا |