قوله تعالى :﴿ وياقوم اعملوا على مَكَانَتِكُمْ ﴾ الآية.
المكانةُ : الحالةُ التي يتمكن بها صاحبها من عمله، أي اعملوا حال كونكم موصوفين بغاية المكنة والقدرة، وكل ما في وسعكم، وطاقتكم من إيصال الشر إليَّ فإني أيضاً عاملٌ بقدر ما آتانِي الله من القدرة. « سَوْفَ تَعْلَمُونَ » أيُّنا الجاني على نفسه، والمخطي في فعله.
قوله :﴿ مَن يَأْتِيهِ ﴾ تقدَّم نظيرهُ في قصة نوح. قال ابنُ عطيَّة - بعد أن حكى عن الفرَّاء أن تكون موصولة مفعولةً ب « تَعْلَمُون » - :« والأوَّلُ أحسنُ » ثم قال :« ويقْضَى بصلتها أن المعطوفة عليها موصولة لا محالة ».
وهي قوله :﴿ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ ﴾.
قال أبُو حيَّان :« لا يتعيَّن ذلك، إن من الجائزِ أن تكون الثَّانية استفهاميَّة أيضاً معطوفةً على الاستفهاميَّة قبلها، والتقديرُ : سوف تعلمُونَ أيُّنَا يأتيه عذابٌ، وأيُّنَا هو كاذبٌ ».
قال الزمشخريُّ : فإن قُلت : أيُّ فرقٍ بين إدخالِ الفاءِ ونزعها في « سَوْفَ تَعْلَمُونَ » ؟.
قلت : إدخالُ الفاءِ وصلٌ ظاهرة بحرفٍ موضوع للوصل، ونزْعُهَا وصلٌ خفيُّ تقديريٌ بالاستئناف الذي هو جوابٌ لسُؤالٍ مقدَّر كأنهم قالوا : فماذا يكون إذا عملنا نحنُ على مكانتنا، وعملت أنت عما مكانتك؟ فقيل سوف تعلمُون، فوصل تارةً بالفاءِ، وتارةً بالاستئناف للتَّفنُّن في البلاغةِ، كما هو عادةُ البُلغاءِ من العربِ، وأقوى الوصلين وأبلغُهُما الاستئنافُ «.
ثم قال :﴿ وارتقبوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ ﴾ أي : وانتظرُوا العذاب إنّي معكُم منتظرٌ. والرقيب : بمعنى الرَّاقب من رقبه كالضَّريب والصَّريم بمعنى الضَّارب والصَّارم، أو بمعنى المراقب، أو بمعنى المرتقب كالفقير والرفيع بمعنى المفتقر والمترفع.
قوله تعالى :﴿ وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا ﴾ الآية.
قال الزمخشريُّ : فإن قتل : ما بالُ ساقتي قصة عاد وقصة مدين جاءتا بالواو، والسَّاقتان الوسطيان بالفاءِ؟ قلت : قد وقعت الوسيطان بعد ذكر الوعدِ، وذلك قوله :﴿ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصبح ﴾ [ هود : ٨١ ] ﴿ ذلك وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ﴾ [ هود : ٦٥ ] فجاء بالفاء التي للتسبُّب كما تقولُ :» وعدته فلما جاء المعيادُ كان كَيْتَ وكَيْتَ «، وأمَّا الأخريان فلم تقعا بتلك المنزلة، وإنَّما وقعتا مبتدأتين فكان حقُّهما أن تعطفها بحرف الجمع على ما قبلهما، كما تُعطفُ قصةٌ على قصَّةٍ ».
قوله :﴿ نَجَّيْنَا شُعَيْباً والذين آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا ﴾.
روى الكلبي عن ابن عبَّاس قال : لَمْ يُعذب الله أمتين بعذاب واحدٍ إلاَّ قوم شعيب وقوم مصالح، فأمَّا قوم صالح؛ فأخذتم الصحيةُ من تحتهم، وقوم شعيبٍ أخذتهم من فوقهم.
وقوله :﴿ وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا ﴾ يحتملُ أن يكون المرادُ منه، ولما جاء وقت أمرنا ملكاً من الملائكة بتلك الصَّيْحة، ويحتمل أن يكون المرادُ من الأمر العذاب، وعلى التدقرين فأخبر الله أنّه نجَّى شُعَيْباً ومن معه من المؤمنين.
وفي وله :﴿ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا ﴾ وجهان :
الأول : أنَّه تعالى إنَّما خلَّصه من ذلك العذاب لمحض رحمته، تنبيهاً على أنَّ كلَّ ما يصل إلى العبد ليس إلاَّ بفضلِ الله ورحمته.