قوله :﴿ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ ﴾ أعرضتم عن قولي، وقُبُول نُصْحِي، ﴿ فَمَا سَأَلْتُكُمْ ﴾ على تبليغ الرِّسالة والدَّعوة ﴿ مِّنْ أَجْرٍ ﴾ جعل وعوض، ﴿ إِنْ أَجْرِيَ ﴾ : ما أجري وثوابي، ﴿ إِلاَّ عَلَى الله ﴾.
قال المفسِّرُون : وهذا إشارةٌ إلى أنَّه ما أخذ منهم مالاً على دعواهُم إلى دين الله، وكُلَّما كان الإنسانُ فارغاً من الطَّمع، كان قوله أقوى تأثيراً في القلب.
قال ابن الخطيب : وعندي فيه وجه آخر : وهو أنَّه - ﷺ - بيَّن أنه لا يخافُ منهم بوجهٍ من الوجوه، وذلك لأنَّ الخوف إنَّما يحصل بأحد شيئين : إمَّا بإيصال الشَّر، أو بقطع المنافع، فبيَّن فيما تقدَّم أنه لا يخافُ شرَّهُم، وبيَّن في هذه الآية أنَّه لا يخاف منهم بسبب أن يقطعُوا عنه خيراً؛ لأنَّه ما أخذ منهم شيئاً، فكان يخافُ أن يقطعوا منه خيراً، ثم قال :﴿ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الله وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المسلمين ﴾ وفيه قولان :
الأول : أنكم سواء قبلتم دين الإسلام، أو لم تقبلوا، فأنا مأمورٌ بأن أكون على دين الإسلام.
الثاني : أنِّي مأمورٌ بالاستسلام لكلِّ ما يصل إليَّ لأجل هذه الدَّعوة، وهذا الوجهُ أليق بهذا الموضع؛ لأنَّه لمَّا قال اقضُوا إليَّ بيَّن أنَّه مأمورٌ بالاستسلام لكلِّ ما يصل إليه.
قوله :﴿ فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الفلك ﴾.
لمَّا حكى كلام نُوحٍ مع الكُفَّار، ذكر - تعالى - ما آل أمرهم إليه : أمَّا في حقِّ نُوح وأصحابه، فنجَّاهم وجعلهم خلائف، أي : يخلفون من هلك بالغرق، وأمَّا في حق الكفار فإنَّه - تعالى - أهلكهم وأغرقهم، وهذه القصَّة إذا سمعها من صدَّق الرسول ومن كذب به، كانت زجراً للمكذِّبين فإنهم يخافون أن ينزل بهم مثل ما نزل بقوم نُوح، وتكون داعيةً للمؤمنين إلى الثَّبات على الإيمان؛ ليصلوا إلى مثل ما وصل إليه قوم نُوح.