قال شهابُ الديِّن : وقد نصَّ النَّحويون على أنَّ « لمَّا » يحذفُ مجزومها باطِّرادٍ، قالوا : لأنَّها لنفي قَدْ فعل، وقد يحذف بعدها الفعل؛ كقوله :[ الكامل ]
٣٠٣٤- أفِدَ التَّرْحُّلْ غَيْرَ أنذَ رِكَابنَا | لمَّا تزلْ بِرحَالِنَا وكأنْ قَدِ |
٣٠٣٥- فَجِئْتُ قُبُورَهُمْ بَدْءاً ولمَّا | فَنادَيْتُ القُبورَ فَلَمْ يُجِبْنَهْ |
قال : وقوله :« ولمَّا » أي : ولمّا أكُنْ سيِّداً إلاَّ حين ماتُوا، فإنِّي سدتُ بعدهم؛ كقول الآخر :[ الكامل ]
٣٠٣٦- خَلَتِ الدِّيَارُ فَسُدْتُ غَيْرَ مُسَوَّد | ومن العناءِ تفرُّدِى بالسُّؤدُدِ |
ما نِلْتُ ما قَدْ نِلْلتُ إلاَّ بَعْدَمَا | ذَهَبَ الكِرامُ وسَادَ عَيْرُ السَّيِّد |
٣٠٣٧- أفِدَ التًّرَحُّلُ......... | ...................... |
وأمَّا قراءةُ أبي عمرو، والكسائي فواضحةٌ جدًّا، فإنَّها « إنَّ » المشدَّدة عملت عملها، واللاَّم الأولى لام الابتداء الدَّاخلة على خبر « إنَّ »، والثانية جواب قسم محذوف، أي : وإنَّ كلاًّ للذين والله ليوفِّينَّهُم، وقد تقدَّم وقوعُ « ما » على العُقلاء؟ِ مُقرَّرا، ونظيرُ هذه الآية :﴿ وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ ﴾ [ النساء : ٧٢ ] غير أنَّ اللاَّم في « لمنْ » داخلةٌ على الاسم، وفي « لمَّا » داخلة على الخبر. وقال بعضهم :« مَا » هذه زئادةٌ زيدت للفصل بين اللامين، لام التَّوكيد، ولام القسم، وقيل : اللاَّم ُ في « لمَّا » موطئة للقسم مثل اللاَّم في قوله تعالى :﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ﴾ [ الزمر : ٦٥ ] والمعنى : وإنَّ جميعهم واللَّه ليُوفِّينَّهُم ربُّك أعمالهُم من حُسْنٍ وقُبْحٍ وإيمانٍ وجحودٍ.
وقال الفرَّاء عند ذكر هذه الآية- : جَعَلَ « مَا » اسماً للنَّاس كما جاز ﴿ فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النسآء ﴾ [ النساء : ٣ ] ثم جعل اللاَّم التيفيها جواباً ل « إنَّ » وجعل اللاَّم التي في « ليُوفِّينَّهُمْ » لاماً دخلت على نيَّةِ يمينٍ فيما بين « مَا » وصلتها، كما تقول : هذا من ليَذْهبنَّ، وعندي ما لغيرهُ خيرُ منه، ومثله :﴿ وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ ﴾ [ النساء : ٧٢ ].
ثم قال بعد ذلك ما يدلُّ على أنَّ اللاَّم مكررةٌ فقال : إذا عجَّلت العربُ باللاَّم في غير موضعها أعادوها إليه، نحو : إنَّ زيداً لإليك لمُحْسِنٌ؛ ومثله :[ الطويل ]
٣٠٣٨- ولَوْ أنَّ قَوْمِي لمْ يكُونُوا أعِزَّة | لبَعْدُ لقَدْ لا قَيْتُ لا بُدَّ مَصْرَعَا |