قال : أدخلها في « بَعْد » وليس بموضعها، وسمعت أبا الجرَّاحِ يقولُ :« إنِّي ليحمد الله لصالحٌ ».
وقال الفارسيُّ- في توجيه القراءة- :« وجهُهَا بيِّن وهو أنَّه نصب » كُلاًّ « ب » إنَّ « وأدخل لام الابتداء في الخبر، وقد دخلت في الخبرِ لامٌ أخرى، وهي التي يُتلقَّى بها القسم، وتختصُّ بالدُّخُول على الفعل، فلمَّا اجتمعت اللاَّمان فُصِل بينهما كما فُصِل بين » إنَّ « واللاَّم فدخلتها وإن كانت زائدة للفصل، ومثله في الكلام : إن زيداً لينطلقنَّ ».
فهذا ما تلخَّص من توجيهات هذه القراءات الأربع، وقد طعن بعضُ النَّاس في بعضها بِمَا لا تحقق له، فلا ينبغي أن يلتفت إلى كلامه.
قال المبردُ- وهي جرأةٌ منه- « هذا لحنٌ » يعين تشديد « لمَّا » قال :« لأنَّ العرب لا تقول : إنَّ زيداً لمَّا خارجٌ » وهو مردودٌ عليه.
قال أبو حيان : وليس تركيبُ الآية كتركيب المثال الذي قال وهو : إنَّ زيداً لمَّا خارج، هذا المثالُ لحنٌ. قال شهابُ الدِّين : إن عنى أنَّهُ ليس مثله في التركيب من كل وجه فمُسلَّم، ولكن ذلك لا يفيدُ فيما نحن تصدده، وإن عنى أنه ليس مثله في كونه دخلت « لمَّا » المشددة على خبر « إنَّ » فليس كذلك، بل هو مثلُه في ذلك، فتسليمُهُ اللَّحْنَ في المثال المذكور ليس بصوابٍ؛ لأنه يستلزم ما لا يجوز أن يقال.
وقال أبو جعفرٍ : القراءةُ بتشديدهما عند أكثر النَّحويين لحنٌ، حكي عن محمد بن يزيد أنه قال : إنَّ هذا لا يجوز، ولا يقال : إنَّ زيداً إلا لأضربنَّه، ولا « لمَّا لأضربنَّه » قال : وقال الكسائي :« اللَّه أعلم لا أعرف لهذه القراءة وجهاً » وقد تقدم ذلك، وقتدم أيضاً أنَّ الفرسي قال : كما لا يحسن : إنَّ زيداً إلاَّ لمنطلق؛ لأنَّ « إلاَّ » إيجاب بعد نفي، ولم يتقدَّم هنا إلاَّ إيجابٌ مؤكَّد، فكذا لا يحسن : إنَّ زيداً لما منطلق، لأنه بمعناه، وإنَّما ساغ نشدتك بالله لمَّا فعلت... إلى آخر كلامه. وهذه أقوالٌ مرغوبٌ عنها؛ لأنَّها معارضة للمتواتر القطعي.
وأمَّا القراءات الشَّاذة فأوَّلها قراءةُ أبي ومن تبعه « وإنْ كلٌّ لمَّا » بتخفيف « إنْ » ورفع « كل » على أنَّها « إن » النافية « وكل » مبتدأ، و « لمَّا » مشددة بمعنى « إلاَّ »، و « ليُوفِّينَّهُم » جوابُ قسمٍ حذوف، وذلك القسم وجوابه خبر المبتدأ وهي قراءةٌ جليَّة واضحةٌ كما قرؤوا كلُّهّم ﴿ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ ﴾ [ يس : ٣٢ ] ومثله ﴿ وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ ﴾ [ الزخرف : ٣٥ ]، ولا التفاتَ إلى قول من نفى أنَّ « لمَّا » بمنزلةِ « إلاَّ » فقد تقدَّمت أدلته.


الصفحة التالية
Icon