سماوةَ الهلالِ حَتَّى احقوْقَفا... وأصلُ الكلمة من « الزُلْفَى » والقرب، يقال : أزْلفه فازْدلفَ، أي : قربَّهُ فاقتربَ قال تعالى :﴿ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخرين ﴾ [ الشعراء : ٦٤ ] وفي الحديث :« ازْدَلِفُوا إلى الله بركعتيْنِ ».
٣٠٣٩- ناجٍ طواهُ الأيْنُ ممَّا وجَفَا طَيَّ اللَّيَالِي زُلَفاً فزُلفَا
وقال الرَّاعب : والزُّلفةُ : المَنْزِلَةُ والحُظْوة، وقد استعملت الزُّلفة في معنى العذابِ كاستعمال البشارة ونحوها، والمزالِفُ : المراقي : وسُمِّيت ليلة الزدلفة لقربهم من منى بعد الإفاضة. وقوله :« من اللَّيل » صفةٌ ل « زُلَفاً ».

فصل


معنى « طَرَفَي النَّهارِ » أي : الغداوة والعشي. قال مجاهدٌ- C- : طرفا النهار الصبح، والظهر، والعصر « وزُلفاً من اللَّيْل » يعني : صلاة المغرب والعشاء.
وقال الحسنُ : طرفا النَّهارِ : الصبح، والظهر والعصر « وزُلفاً من اللَّيل » المغرب والعشاء وقال ابن عباس -Bهما- : طرفا النهار الغداوة والعشي، يعني صلاة الصبح والمغرب.

فصل


قال ابن الخطيب - C- :« الأشهر أنَّ الصلوات التي في طرفي النهار هي الفجر والعصر، وذلك لأنَّ أحد طرفي النهار طُلوعُ الشَّمس، والطَّرف الثاني غروب الشمس.
فالأول : هو صلاة الفجر.
والطرف الثاني لا يجوز أن يكون صلاة المغرب؛ لأنها داخلة تحت قوله :﴿ وَزُلَفاً مِّنَ الليل ﴾ فوجب حملُ الطَّرفي الثاني على صلاة العصر.
وإذا تقرَّر هذا كانت الآية دليلاً على قول أبي حنيفة- رضي الله عنه- في أنَّ التنوير بالفجرِ أفضل، وفي أنَّ تأخير العصر أفضل؛ لأنَّ ظاهر الآية يدلُّ على وجوب إقامة الصَّلاة في طرفي النهار، وبينا أنَّ طرفي النهار هم الزمان الأول لطلوع الشمس، والزَّمان الثَّاني لغروب الشمس، وأجمعت الأمة على أنَّ إقامة الصَّلاة في ذلك الوقت من غير ضرورة غير مشروعة فقد تعذَّر العملُ بظاهر الآية، فوجب حلمه على المجاز، وهو أن يكون المرادُ : إقامة الصلاة في الوقت الذي يقرب من طرفي النهار؛ لأنَّ ما يقرب من الشَّيءِ يجوزُ أن يطلقَ عليه اسمه، وإذا كان كذلك فكل وقتٍ كان أقرب لطلوع الشمسِ، وإلى غروبها كان أقربُ إلى ظاهر اللفظ، وإقامة صلاة الفجر عند التنوير أقرب إلى وقت الطُّلوع من إقامتها عند التغليس، وكذلك إقامة صلاة العصر عندما يصير ظل كل شيء مثليه، أقرب إلى وقت الغروب من إقامتها عندما يصير ظلُّ كل شيءٍ مثله، والمجازُ كلَّما كان أقرب إلى الحقيقة، كان حملُ اللفظ عليه أولى.

فصل


قال أبو بكر الباقلاني - رضي الله عنه- : إنَّ الخوارجَ تمسَّكُوا بهذه الآية في إثبات أنَّ الواجب ليس إلاَّ الفجر والعشاء من وجهين :
الأول : أنَّهُمَا واقعان على طرفي النهار؛ فوجب أن يكون هذا القدر كافياً.
فإن قيل : قوله ﴿ وَزُلَفاً مِّنَ الليل ﴾ يوجب صلوات أخرى.
قلت : لا نُسلِّمُ، فإنَّ طرفي النهار موصوفان بكونهما زُلفاً من اللَّيْلِ، فإن ما لا يكون نهاراً يكون ليلاً غاية ما في الباب أنَّ هذا يقتضي عطف الصفة على الموصوف، وذلك كثير في القرآن والشعر.


الصفحة التالية
Icon