وقال الزمخشري :« إنه قرىء » يَا أبتِ « بالحركات الثلاث :
فأما الفتح والكسر فقد تقدَّم ذكر من قرأ بهما.
وأما الضم فغريبٌ جدًّا وهو يشبه من يبني المنادى المضاف لياء المتكلِّم على الضمِّ؛ كقراءة من قرأ :﴿ قَالَ رَبِّ احكم بالحق ﴾ [ الأنبياء : ١١٢ ] بضم الباء، وسيأتي توجيهها هناك إن شاء الله تعالى ولما قلنا : إنَّه مضافٌ للياءِ، ولم نجعله مفرداً من غير إضافةٍ. وقد تقدَّم توجيهُ كسر هذه التَّاء بما ذكره الزمخشريُّ من كونها هي الكسرة التي قبل الياء زحلقت إلى التاء وهذا أحدُ المذهبين.
والمذهبُ الآخر : أنَّها كسرة أجنبيَّة، جيء بها لتدُلَّ على الياءِ المعوَّض منها. فأما الفتح ففيه أربعة أوجه، ذكر الفارسي منها وجهين :
أحدهما : أنه اجتزأ بالفتحة عن الألف المنقلبة عن الياءِ؛ كما اجتزَأ عنها الآخرْ بقوله :[ الوافر ]٣٠٤٨ ولَسْتُ بِراجِعٍ ما فَاتَ منِّي | بِلهْفَ ولا بِليْتَ ولا لَوَنِّي |
وكما اجتزأ بها في :» يَا بْنَ أمَّ « و » يَا بْنَ عَمّ «.
والثاني : أنه رخم بحذف التاء، ثم اقحمت التَّاءُ مفتوحة؛ كقول النابغة الجعديِّ :[ الطويل ]٣٠٤٩ كِلِينِي لِهمِّ يا أمَيْمةَ نَاصبِ | وليْلٍ أقَاسيهِ بَطيءِ الكَواكبِ |
بفتح تاء أميمة.
الثالث : ما ذكره الفرَّاء، وأبو عبيدة، وأبو حاتم، وقطرب في أحد قوليه : وهو أن الألف في :» يَا أبَتَا « للنُّدبة، ثم حذفها مجتزئاً عنها بالفتحة، وهذا قد ينفع في الجواب بين العوض والمعوض منه، ورد بعضهم هذاح بأنَّ المضع ليس موضع نُدبة.
الرابع : أن الأصل » يا أبَة « بالتنوين، فحذف التنوين، لأنَّ النداء بابُ حذفٍ، وإلى هذا ذهب قطرُب في القول الثاني.
وردَّ هذا : بأ، التَّنوين لا يحذف من المنادى المنصُوب نحو :» يَا ضَارِباً رجُلاً «.
وقرأ أبو جعفر :» يا أبِي « بالياءِ ولم يعوض منها التَّاء، وقرأ الحسن، والحسين، وطلحة بن سليمان، رضي الله عنهم » أحَدَ عَشَر « بسُكُون العين؛ كأنهم قصدّوا التنبيه بهذا التَّخفيفِ على أنَّ الاسمين جُعِلا اسماً واحداً.
قوله ﴿ والشمس والقمر ﴾ يجوز فيه وجهان :
أحدهما : أن تكون الواو عاطفة، وحينئذ : يحتمل أن يكُون من باب ذكر الخاصِّ بعد ذكر العام تفصيلاً له؛ لأن الشَّمس والقمر دخلا في قوله :﴿ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً ﴾ فهذا كقوله :﴿ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ ﴾ [ البقرة : ٩٨ ] بعد قوله :» ومَلائِكتهِ « ويحتمل أن لا تكون كذلك، وتكون الواوُ لعطف المغايرة؛ فيكون قد رأى الشمس والقمر زيادة على ال » أحَدَ عَشَرَ « ومن جملتها الشمس والقمر، وهذان الاحتمالان نقلهما الزمخشريُّ.
والوجه الثاني : أن تكون الواو بمعنى :» مَعَ « إلا أنَّه مرجوحٌ؛ لأنَّه متى أمكن العطف من غير ضعفٍ، ولا أخلال بمعنى، رُجِّح على المعيَّة؛ وعلى هذا فيكون كالوجه الذي قبله، بمعنى : أنه رأى الشمس، والقمر زيادةً على الأحد عشر كوكباً.