قال ابن عرفة : الالتقاط وجود الشيء على غير طلب، ومنه قوله تعالى ﴿ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السيارة ﴾ أي : يجده من غير أن يحتسب.

فصل


اختلفوا في الملقوط فقيل : إن أصله الحرية؛ لغلبة الأحرار على العبيد، وروي الحسين بن علي رضي الله عنهما قضى بأن اللقيط حُرٌّ، وتلا قوله تعالى :﴿ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ ﴾ [ يوسف : ٢٠ ] وهذا قوله عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويروى عن علي وجماعته، وقال إبراهيم النخعي : إن نوى رقه فهو مملوك، وإن نوى الاحتساب فهو حر.

فصل


والسيَّارة : جمع سيَّار، وهو مثال مبالغة، وهُمُ الجماعة الذين يسيرون في الطريق للسَّفَر، وقال ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما : يريد : المارَّة، ومفعول « فَاعِلينَ » محذُوف، أي : فاعلين ما يحصل به غرضكم. وهذا إشارة إلى أن الأولى : أن لا تفعلوا شيئاً من ذلك، وأما إن كان ولا بد، فاقتصروا على هذا القدر، ونظيره قوله تعالى :﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ﴾ [ النحل : ١٢٦ ] يعني : الأولى ألاَّ تفعلوا ذلك.
قوله تعالى :﴿ قَالُواْ يَأَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا على يُوسُفَ ﴾ الآية.
« تَأمَنَّا » حال وتقدَّم نظيره، وقرأ العامَّة : تأمنَّا بالإخفاء، وهو عبارة عن تضعيف الصَّوت بالحركة، والفصل بين النُّونين؛ لا لأن النون تسكن رأساً؛ فيكون ذلك إخفاءً، لا إدغاماً.
قال الدَّاني :« وهو قول عامَّة أئِمَّتنا، وهو الصواب؛ لتأكيد دلالته وصحَّته في القياس ».
وقرأ بعضهم ذلك : بالإشمام وهو عبارة عن ضمِّ الشفتين، إشارة إلى حركة الفعل مع الإدغام الصَّريح، كما يشير إليها الواقف، وفيه عسر كثير، قالوا : وتكون الإشارة إلى الضمة بعد الإدغام، أو قبل كماله، والإشمام يقع بإزاء معانٍ هذا من جملتها.
ومنها :[ إشراب ] الكسرة شيئاً من الضمِّ [ نحو قيل، ﴿ وَغِيضَ ﴾ [ هود : ٤٤ ] وبابه، وقد تقدم في أول سورة البقرة ].
ومنها إشمام أحد الحرفين شيئاً من الآخر؛ كإشمام الصاد زاياً في ﴿ الصراط ﴾ [ الفاتحة : ٦ ]، ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ ﴾ [ النساء : ٨٧، ١٢٢ ] وبابهما، وقد تقدم في الفاتحة، والنساء، فهذا خلط حرف بحرف، كما أن ماقبلهُ خلطُ حركة بحركةٍ.
ومنها : الإشارة إلى الضَّمَّة في الوقف خاصَّة، وإنما يراه البصير دُون الأعمى، وقرأ أبو جعفر : الإدغام الصَّريح من غير إشمام، وقرأ الحسن ذلك : بالإظهار مبالغة في بيان إعراب الفعل. وللمحافظة على حركة الإعراب، اتَّفق الجمهُور على الإخفاء، أو الإشمام، كما تقدَّم تحقيقه.
وقرأ ابن هرمز :« لا تَأمُنَّا » بضم الميم، نقل حركة النُّون الأولى عند إرادة إداغمها، بعد سلب الميم حركتها، وخط المصحف بنون واحدة، ففي قراءة الحسن مخالفة لها. وقرأ أبو رزين، وابن وثَّابٍ :« لا تِيْمَنًّا » بكسر حرف المضارعة، إلا أنَّ ابن وثَّاب سهَّل الهمزة.
قال ابو حيَّانك « ومجيئُه بعد » مَا لَكَ « والمعنى : يرشد إلى أنَّه نفيٌ لا نهي، وليس كقولهم :» ما أحْسَنًّا « في التعجُّبح لأنه لو أدغم، لالتبس التَّعجب بالنَّفْي ».


الصفحة التالية
Icon