قال شهاب الدِّين : وما أبْعَد هذا عن توهُّم النَّهي، حتى ينُصَّ عليه بقوله :« لالتبس بالنَّفْي الصحيح ».
فصل
هذا الكلام يدلُّ على أن يعقوب ﷺ كان يخافُهم على يُوسف، ولولا ذلك، لما قالوا هذا القول.
واعلم : أنَّهم لما أحكمُوا العزم، أظهروا عند أبيهم أنَّهم في غاية المحبَّة ليوسُف، ونهاية الشفقة عليه، كانت عادتهم أن يغيبُوا عنه مُدَّة إلى الرَّعين فسألوه إرساله معهم، كان يعقُوب ﷺ يحب تطيب قلب يوسف، فاغترَّ بقولهم، وأرسلهُ معهم حين قالوا له :﴿ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ ﴾ والنُّصْح هنا : القيام بالمصلحة.
وقيل : البرُّ والعطف، أي : عَاطِفُون عليه قَائِمُون بمصلحته، نحفظه حتَّى نردهُ إليك.
قيل للحسن : أيَحْسُد المُؤمن؟ قال : ما أنْسَاك ببَنِي يعقوب، ولهذا قيل : الأب جلاَّبٌ، والأخ سَلاَّب، وعند ذلك أجمعوا عل التًَّفريق بينه وبين ولده بضرب من الاحتيال، وقالوا ليعقوب ﷺ ﴿ مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا على يُوسُفَ ﴾.
وقيل : لما تفاوضوا وافترقوا على راي المتكلِّم الثاني، عادوا إلى يعقوب ﷺ وقالوا هذا القول، إذ فيه دليلٌ على أنَّهُم سألوه قبل ذلك أن يخرج معهم يوسف، فأبى.
قوله :﴿ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ ﴾ في :« يرْتَعْ ويَلعَبْ » أربع عشرة قراءة :
أحدها : قراءة نافع : بالياء من تحت، وكسر العين.
الثانية : قراءة البزِّي، عن ابن كثيرٍ :« نَرْتَعِ ونلعب » بالنُّون وكسر العين.
الثالثة : قراءة قنبل، وقد اختلف عليه، فنقل عه ثُبُوت الياء بعد العين وصلاً ووقفاً، وحذفها وصلاً ووقفاً، فيوافق البزِّي في أحد الوجهين عنه، فعنه قراءتان.
الخامسة : قراءة أبي عمرو، وابن عامر :« نَرتَعْ ونَلعَبْ » بالنُّون، وسكون العين، والباء.
السادسة : قراءة الكوفيين :« يَرْتَعْ ويَلعبْ » بالياء من تحت وسكون العين والباءِ.
وقرأ جعفر بن محمد :« نَرْتَعْ » بالنُّون، « ويَلْعَبْ » بالياء، ورُويت عن ابن كثيرٍ.
وقرأ العلاء بن سيابة :« يَرْتَعِ ويَلْعَبُ » بالياء فيهما، وكسر العين وضمّ الباء.
وقرأ أبو رجاء كذلك، إلا أنَّه بالياء من تحت فيهما.
والنخعي ويعقوبك « نَرْتَع » بالنون، « ويَلْعَب » بالياء.
وقرأ مجاهدٌ، وقتادةُ، وابن محيصِن :« يَرْتَعْ ويَلْعَب » بالياء، والفعلان في هذه القراءات كلها مبنيان للفاعل.
وقرأ زيد بن علي :« يُرْتَع ويُلْعَب » بالياء من تحت فيهما مبنيين للمعفول.
وقرىء :« نَرْتَعِي ونَلْعَبُ » بثبوت الياء، ورفع الباء.
وقرأ ابن أبي عبلة :« نَرْعَى ونَلْعَب ».
فهذه اربع عشرة قراءة منها ستٌّ في السَّبع المتواتر وثمان في الشواذٍّ.
فمن قرأ بالنُّون، فقد أسند الفعل إلى إخوة يوسف.
سُئل أبو عمرو بن العلاء : كيف قالوا : نلعب وهم أنبياء؟ قال : كان ذلك قبل أن يُنَبِّئهُم الله عزَّ وجلَّ.