قال ابن الأعرابي : الرَّتْع : الأكل بشدة، وقيل : إنه الخَصْبُ.
وقيل : المراد من اللَّعب : الإقدام على المُباحات، وهذا يوصف به الإنسان، كما رُوِي عن النبي ﷺ أنه قال لجابر :« هَلاَّ بِكْراً تُلاعِبُهَا وتُلاعِبُك ».
وقيل : كان لعبهم الاستباق، والغرض منه : تعليم المحاربة، والمقاتلة مع الكُفَّار، ويدلُّ عليه قولهم :« إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتبِقُ » وإنما سمَّوه لعباً؛ لأنه في صُورة اللَّعِب.
وأما من قرأ بالياءِ، فقد أسند الفعل إليه دونهم، فالمعنى : أنه يبصر رَعْي الإبلِ؛ لتيدرَّب بذلك، فمرَّة يرتع، ومرَّة يلعب؛ كفعل الصِّبيان.
ومن كسر العين، اعتقد أنه جزم بحذف حرف العلَّة، وجعلهُ مأخُوذاً من يفتعِل من الرَّعي؛ كيَرْتَمِي من الرَّمْي، ومن سكن العين، واعتقد أنه جزم بحذق الحركة، وجعلهُ مأخوذاً من : رَتَعَ يَرْتَعُ، إذا اتَّسع في الخِصْب قال :

٣٠٥٨.................... وإذَا يَحْلُولَهُ الحِمَى رَتَعْ
ومن سكَّن الباء جعلهُ مَجزُوماً، ومن رفعها، جعله مرفوعاً على الاستئناف، أي : وهو يلعبُ، ومن غاير بين الفعلين، فقرأ بالباء من تحت في « يَلْعَب » دون « نَرْتَع » ؛ فلأن رَعْياً، إذا أكلته فالارتعاء للمواشِي، وأضافوه إلى أنفسهم؛ لأنه السَّبب، والمعنى : نرتع إبلنا، فنسبُوا الارتعاء والقيام بحفظ المال إلى أنفسهم؛ لأنهم بالغون.
ومن قرأ :« نُرْتع » رُباعياً، جعل مفعُوله محذوفاً، أي : يَرْعى مَواشينا، ومن بناها للمفعول، فالوجه : أنه أضمر المفعُول الذي لم يُسمَّ فاعله، وهو ضمير الغدِ، والأصل :
نُرْتَع فيه، ونُلعَبُ فيه، ثم اتسع فيه؛ فحذف حرف الجرِّ، فتعدى إليه الفعل بنفسه، فصار نُرْتعه ونَلْعَبُه، فلما بناهُ للمفعول، قام الضمير المنصُوب مقام فاعله، فانقلب مرفوعاً فاستتر في رافعه، فهو في الاتِّساع كقوله :[ الطويل ]
٣٠٥٩ ويَوْمٍ شَهِدْنَا سَلِمياً وعَامِراً .....................
ومن رفع الفعلين، جعلهما حالين، وتكون مقدَّرة، وأمَّا إثبات الياء في « نَرْتَعي » مع جزم « يَلْعَب » وهي قراءة قنبل، فقد تجرَّأ بعضُ النَّاس وردَّها.
وقال ابن عطيَّة : هي قراءة ضعيفةٌ لا تجوز إلا في الشِّعْر، وقيل : هي لغة من يجز بالحركة المقدَّرة، وأنشد :
٣٠٦٠ ألَمْ يَأتِيكَ والأنْبَاءُ تَنْمِي ......................
وقد تقدَّمت هذه المسألة.
و « نَرْتَع » يحتمل أن يكون وزنه :« نَفْتَعِل من الرَّعْي وهي أكلُ المرعى؛ كما تقدَّم، ويكون على حذف مضاف، أي : نرتع مواشينا، أو من المراعاة للشيء؛ قال :[ الخفيف ]
٣٠٦١ تَرْتعِي السَّفحَ فالكَثِيبَ فَذا قَارِ فَروضَ القَطَا فَذاتَ الرِّئالِ
ويحتمل أن يكون وزنه »
نَفْعَل « من رَتَعَ يَرْتَع : إذا أقام في خصب وسعة، ومنهُ قول الغضبان بن القبعثرى :» القَيْدُ والرَّتعة وقِلَّة المَنعَة « ؛ وقال الشاعر :[ الوافر ]
٣٠٦٢ أكُفْراً بَعْدَ ردِّ المَوْتِ عَنِّي وبَعدَ عَطائِكَ المِائة الرِّتاعَا
قوله :﴿ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ جلمة حالية، والعاملُ فيها أحد شيئين : إمَّا الأمر، وإمَّا جوابه.


الصفحة التالية
Icon