قوله تعالى :﴿ فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ ﴾ الآية : لا بُدَّ من الإضمار في هذه الآية في موضعين :
الأول : التقدير : قالوا : لئن أكلهُ الثئب ونحن عصبةٌ إنَّا إذاً لخاسرون فأذن له، وأرسله معهم، ثم يصتل به قوله تعالى :﴿ فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ ﴾.
الثاني : في جواب ﴿ فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ ﴾ أوجه :
أحدهما : أنه محذوف، أي : عرفناه، وأوصلنا إليه الطمأنينة، وقدره الزمخشريُّ :« فعلوا به ما فعلوا من الأذى » وقدره غيره : عظمت فتنتهم، وآخرون : جعلوه فيها، وهذا أولى؛ لدلالة الكلام عليه.
الثاني : أن الجواب مثبت، وهو قوله :﴿ قَالُواْ يَأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا ﴾ [ يوسف : ١٧ ] أي : لمَّا كان كَيْتَ وكَيْتَ، قالوا. وفيه بعد؛ لبعد الكلام من بعضه.
الثالث : أن الجواب هو قوله :« وأوْحَيْنَا » والواو فيه زائدة، أي : فلما ذهبوا به أوحينا، وهو رأي الكوفيين، وجعلُوا من ذلك قوله تعالى :﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴾ [ الصافات : ١٠٣ ] أي : تله، « ونَاديْنَاهُ »، وقوله تعالى :﴿ حتى إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ﴾ [ الزمر : ٧٣ ] وقول امرىء القيس :[ الطويل ]
٣٠٦٤ فَلَمَّا أحَزْنَا سَاحةَ الحَيِّ وانْتحَى | بِنَا بَطْنُ حِقْفٍ [ ذِي رُكامٍ عَقَنْقَلِ ] |
قوله :« أن يَجعلُوهُ » « مَفْعُول » « أجْمعَوا » أي : عزمُو على أن يجعلوه؛ لأنه يتعدَّى بنفسه، وب « عَلَى » فإنه يحتمل أن يكون على حذف الحرف، وألاّ يكون، فعلى الأول : يحتمل موضعه النصب والجرَّ، وعلى الثاني : يتعين النَّصب، والجمعل يجوز أن يكون بمعنى : الإلقاء، وأن يكون بمعنى : التَّصيير فعلى الأول : يتعلَّق في « غَيَابةِ » بنفس الفعل قبله، وعلى الثاني : بمحذُوف، والفعل من قوله :« وأجْمَعُوا » يجوز أن يكُون معطوفاً على ما قبله، وأن يكُون حالاً، و « قَدْ » معه مضمرة عند بعضهم، والضمير في « إليْهِ » الظاهر عوده على يوسف، وقيل : يعود على يعقُوب ﷺ.
وقرأ العامَّة :« لتُنَبئَنَّهُمْ » بتاء الخطاب، وقرأ ابن عمر : بياء الغيبة، أي : الله سبحانه وتعالى.
قال أبو حيَّان :« وكذا في بعض مصاحف البصرة » وقد تقدَّم أن النقط حادث فإن قال : مصحف حادث غير مصحف عثمان رضي الله عنه فليس الكلام في ذلك.
وقرأ سلاَّم :« لنُنَبئَنَّهُمْ » بالنون، وهذا صفة لقولهم. وقيل : بدل. وقيل : بيان.
قوله :﴿ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ جملة حالية، يجوز أن يكون العامل فيها « أوحينا » أي : أوحينا غليه من غير شعور إخوته بالوحي، وأن العامل فيها « لتُنَبئَنَّهُمْ » أي تخبرهم وهم لا يعرفونكم لبعد المدة وتغير الأحوال.
فصل
في المراد بقوله :﴿ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ ﴾ قولان :
الأول : المراد منه الوحي والنبوة والرسالة، وهو قول أكثر المحققين، ثم اختلف هؤلاء في أنه ﷺ هل كان في ذلك الوقت بالغاً أو كان صابياً؟.