فإن قيل : كيف قالوا ليعقوب : أنت لا تصدق الصادقين؟.
قيل : المعنى أنك تتهمنا في هذا الأمر؛ لأنك خفتنا في الابتداء، واتهمتنا في حقه.
وقيل : المعنى لا تصدقنا؛ لأنه لا دليل لنا على صدقنا وإن كنا صادقين عند الله تعالى.

فصل


احتجوا بهذه الآية على أن الإيمان في اللغة عبارة عن التصديق لقوله تعالى :﴿ وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا ﴾، أي بمصدق.
روي أن امرأة تحاكمت إلى شريح فبكت، فقال الشعبي : يا أبا أمية : أما تراها تبكي؟ قال : قد جاء إخوة يوسف يبكون وهم ظلمة كذبة لا ينبغي للإنسان أن يقضي إلا بالحق.
قوله تعالى :﴿ وَجَآءُوا على قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ﴾ الآية « علَى قَمِيصهِ » في محل نصب على الحال من الدم.
قال ابو البقاء :« لأن التقدير : جاءوا بدم كذب على قيمصه ». يعنى أنه لو تأخر لكان صفة للنكرة. ورد الزمخشري هذا الوجه.
قال : فإن قلت : هل يجوز أن تكون حالاً متقدمة «.
قلت : لا، لأن حال المجرور لا يتقدم عليه »
.
وهذا الذي رد به الزمخشري أحد قولي النحاة، قد صحح جماعة جوازه؛ وأنشد :[ الطويل ]
٣٠٦٥................. فَلنْ يَذْهَبُوا فِرغاً بِفتْلِ حِبَالِ
وقول الآخر :[ الطويل ]
٣٠٦٦ لَئِنْ كَان بَرْدُ الماءِ هَيْمانَ صَادِياً ِ إليَّ حَبِيباً إنَّها لَحبِيبُ
وقول الآخر :[ الخفيف ]
٣٠٦٧ غَافِلاً تعْرِضُ المنِيَّةُ لِلمرْءِ فيُدْعَى ولاتَ حِينَ إبَاءُ
وقال الحوفيُّ :« علَى قَميصِهِ » : متعلقٌّ ب « جَاءُوا »، وفيه نظرٌ؛ لأنَّ مجيئهم لا يصلحُ أن يكُونَ على القَميصِ.
وقال الزمخشري :« فإن قلت :» عَلى قَميصِهِ « ما محلهُ؟ قلتُ : محلُّهُ النَّصب على [ الظَّرفيةِ ]، كأنَّه قيل : وجاءُوا فوقَ قَميصِه بدمٍ، كما تقولُ : جَاءُوا على جِمالهِ بأحمال ».
قال أبو حيان : ولا يُسَاعدُ المعنى على نَصْبِ « عَلَى » على الظرفية، بمعنى : فوق لأن العامل فيه إذ ذاك « جَاءُوا » وليس الفرق ظرفاً لهم [ بل يستحيل أن يكُون ظرفاً لهم ].
وهذا الردُّ هو الذي ردَّ به على الحوفيِّ في قوله : إنَّ « عَلَى » متعلقة ب :« جَاءُوا ».
ثمَّ قال أبو حيان رحمه الله :« وأمَّا المثالُ الذي ذكره وهو :[ جاء ] على جماله بإحمالٍ، فيمكنُ أن يكون ظرفاً للجانئي؛ لأنَّه تمكن الظرف فيه باعتبار تبدُّلهِ من حمل إلى حمل، ويكُونُ » بأحْمالٍ « في موضع الحالِ، أي : مصحوباً بأحمال ».
وقرأ العامَّةُ :« كَذبٍ » بالذَّال المعجمة، وهو من الوصفِ بالمصادرِ، فيمكنُ أن يكُون على سبيل المبالغةِ، نحو :« رَجُلٌ عدْلٌ ».
وقال الفراء، والمبرِّد والزجاج، وابن الأنباريِّ :« بدمٍ كذبٍ »، أي : مكذُوبٍ فيه، إلا أنَّه وصف بالمصدر، جعل نفس الدَّم كذباً؛ للمبالغة، قالوا : والمفعُول، والفاعل يسميان بالمصدر، كما يقال : ماءٌ سكبٌ، أ ي : مسكوبٌ، والفاعل كقوله :


الصفحة التالية
Icon