قوله تعالى :﴿ بَلْ سَوَّلَتْ ﴾ قبل هذه الجملة جلمة محذوفة تقديرها : لم يأكله الذِّئب بل سوَّلت، أي : زيَّنتْ وسهّلتْ، قاله ابنُ عباسٍ رضي الله عنه.
والتَّسويلُ : تقدير معنى في النَّفس مع الطَّمع في إتمامه.
قال الأزهريُّ :« كأن التسويلُ تفعيلٌ من سؤال الإنسان، وهو أمنيتُه التي يطلبها، فتزين لطالبها الباطل وغيره ». وأصله مهموزٌ على أنَّ العرب يستثقلون فيه الهمز.
قال الزمخشري :« سوَّلتْ : سهُلتْ من السَّولِ، وهو الاسْتْخَاءُ ».
وإذا عرفت هذا فقوله :« بَلْ » ردُّ لقولهم :« أكَلهُ الذِّبُ » كأنه قال : ليس كما تقولون، بل سولت لكم أنفسكم أمراً في شأنه، أي : زيَّنَتْ لكم أنفسُكم أمراً غير ما تصفون.
واختلف في السَّبب الذي عرف به كونهم كاذبين، فقيل : عرف ذلك بسبب أنَّه كان عيرف الحسد الشَّديدَ منهم في قلوبهم، وقيلك كان عالماً بأنه حيٌّ، لقوله ليوسف :﴿ وكذلك يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ ﴾ [ يوسف : ٦ ] وذلك دليلٌ قاطعٌ على كونهم كاذبين في ذلك الوقتِ.
وقال سعيدُ بن جبيرٍ رضي الله عنه : لما جاءُوا على قميصه بدم كذب، وما كان مُخْرّقاً، قال : كذبتم لو أكله الذِّب لخرق قميصه. وعن السدي أنه قال : إنَّ يعقوب عليه السلام قال : إنَّ الذِّئب كان رَحِيماً، كيف أكل لحمه، ولم يخرقْ قميصه؟.
وقيل : إنه ﷺ لما قال ذلك قال بعضهم : بل قتله اللصوصُ، فقال : كيف قتلوه، وتركوا قميصه، وهم إلى القميص أحْوَجُ منه إلى قتله، فلمَّا اختلفت أقوالهم؛ عرف بذلك كذبهم.
وقال القاضي :« لعلَّ غرضهم في نزع قميصه عند إلقائه في الجبّ أن يُلطِّخوهُ بالدَّم توكيداً لصدقهم؛ لأنَّهُ يبعدُ أن يفعلوا ذلك طمعاً في نفس القميص، ولا بد في المعصية من أن يقرن بهذا الخذلان، فلو خرقوه مع لطخِهِ بالدَّم، لكان الإيهامُ أقوى، فلما شاهد يعقوب ﷺ القميص صحيحاً؛ علم كذبهم ».
قال عند ذلك :« فصَبْرٌ جميلٌ » يَجُوز أن يكون مبتدأ، وخبره محذوف، أي : صبرٌ جميلٌ أمثلُ بي، ويجوز أن يكون خبراً محذوف المبتدأ، أي : أمري صبرٌ جميلٌ قال الخليل : الذي أفعله صبر جميل. وقال قطربٌ : معناه فصبري صبرٌ جميلٌ.
وهل يجب حذف مبتدأ هذا الخبر، أو خبر هذا المبتدأ؟.
وضابطه : أن يكون مصدراً في الأصل بدلاً من اللفظ بفعله، فعبارة بعضهم تقتضي الوُجوبَ، وعبارةٌ آخرين تقتضي الجواز، ومِنَ التصريح بخبر هذا النَّوع، ولكنه في اصورةِ شعرٍ، قوله :[ الطويل ]
٣٠٦٨ فقَالَتْ على اسْمِ اللهِ أمْرُكَ طاعَةٌ | وإنْ كُنْتُ قَد كُلِّفتُ ما لَمْ أعَوَّدِ |
وقول الشاعر :[ الرجز ]
٣٠٦٩ يَشْكُو إِليًَّ جَملِي طُول السُّرى | صَبْرٌ جَميلٌ فكِلانَا مُبْتَلى |
ويحتمل أن يكون مبتدأ أو خبراً كما تقدم.