الثالث : أن الذين اشتروه كانوا فيه مِنَ الزَّاهدين، وقد سبق توجيه هذه الأقوال.
وقال مجاهدٌ والسديُّ : اثنين وعشرين درهماً.
فإن قيل : إنَّهم لما ألقوه في الجبِّ حسداًن فأرادوا تضييعه عن أبييه، فلمَ باعوه؟.
فالجواب : أنَّهم لعلَّهم خافوا أن تذكر السيارة أمره، فيردوه إلى أبيه، لأنَّه كان أقرب إليهم من مصر.
فإن قيل : هب أنَّهم أرادوا ببيعه أيضاً تبعيده عن أبيه؛ فلمَ أحلَّ له أخذ ثمنه «.
فالجواب : أن الذي اشترى يوسف كان كافراً، وأخذُ مالِ الكافرِ حلالٌ.
وثالثها : قوله :﴿ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزاهدين ﴾ ومعنى الزُّهد : قلَّة الرغبة، يقال زهد فلان في كذا إذا لم يرغب فيه، وأصله من القلَّة، يقال : رجلٌ زهيدٌ، إذا كان قليل الجِدةِ، وفيه وجوه :
الأول : أنَّ إخوة يوسف ﷺ باعوه؛ لأنهم كانوا فيه من الزَّاهدينَ
الثاني : أنَّ السيَّارة كانُوا فيه من الزَّاهدين؛ لأنَّهم التَقطُوهُ، والملتَقِطُ يتهاونُ، ولا يباللاي بأي شيءٍ يباعُ، أو لأنَّهُم خافوا أن يظهر المستحق، فينزعه من يدهم، فلا جرم باعوه بالأوكس من الأثمان.
والضمير في قوله :»
فِيهِ « يحتمل أن يعود إلى يوسف، ويحتمل أن يعود إلى الثَّمن البَخْسِ.

فصل


قال القرطبيُّ :»
في الآية دليلٌ على شراءِ الشَّيء الخطيرِ بالثَّمنِ اليسير، ويكونُ البيع لازماً «.
قوله :﴿ وَقَالَ الذي اشتراه ﴾ [ الآية : ٢١ ] اعلم أنَّه ثبت أنَّ الذي اشتراه [ إما ] من الإخوة، وما من الواردين على الماء ذهب به إلى مصر وباعه.
قيل : إن الذي اشتراه هو العزيزُ، كان اسمه »
قطفير «، وقيل : إطْفيرُ الذي يلي خزائن مصر، والملك يومئذ : الرَّيَّان بنُ الوليدِ، رجل من العماليق، وقد آمن بيوسف، ومات في حياةِ يوسف ﷺ قال ابن عباس رضي الله عنهما : لما دخلوا مِصْر تلقَى العزيز مالك بن دعرٍ فابتاع منه يوسف، وهو ابنُ سبع عشرة سنة، [ وأقام في منزله ثلاث عشرة سنة، وقيل : سبْع عشرة سَنَة ]، واستوزره الرَّيان، وهو ابن ثلاثين سنة، وآتاه اللهُ العِلم، والحُكم، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، وتوفي، وهو ابنُ مائة وعشرين سنة.
وقال الذي اشتراهُ من مصر لا مرأته قيل : كان اسمها زليخا وقيل :»
راعيلُ «. قال ابن كثير :» الظّاهرُ أنَّ زليخا لقبها «.
قوله :»
مِنْ مِصرَ « يجوز فيه أوجه :
أحدها : أن يتعلَّق بنفس الفعل قبله، أي : اشتراه من مصر، كقوله : اشْتَريْتُ الثَّوب من بغداد، فهي لابتداء الغايةِ، وقول أبي البقاءِ : أي :»
فيها، أو بها « لا حاجة إليه.
والثاني : أنه حالٌ من الضمير المرفوع في :»
اشْتراهُ « فيتعلق بمحذوفٍ أيضاً.
وفي هذين نظرٌ؛ إذ لا طائل في هذا المعنى.
و »
لامْرَأتهِ « متعلقٌ ت ب » قَالَ « فهي للتبليغ، وليست متعلقة ب » اشْتراهُ «.


الصفحة التالية
Icon