قال أبُو جعفرٍ الباقرُ بإسناده عن عليِّ كرَّم الله وجهه أنه قال : طمعت فيه، وطمع فيها «.
ثمَّ إنَّ الواحديَّ طول في كلمات عاريةٍ عن الفائدة في هذا الباب، ولم يذكر فيما احتج به حديثاً صحيحاً يعوَّل عليه في هذه المقالة، ورُويَ أنَّ يوسف ﷺ لمَّا قال :﴿ ذلك لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغيب ﴾ [ يوسف : ٥٢ ] قال له جبريل عليه السلام : ولا جين هممت يَا يوسف فقال عند ذلك :» ومَا أبرِّىءُ نَفْسِي «.
وقال بعضُ العلماءِ رضي الله عنهم : الهمُّ همَّان :
همٌّ يخطرُ بالبالِ من غير أن يبرز إلى الفعل.
وهمٌّ يخطرُ بالبالِ، ويبرز إلى الفعل، فالأوَّلُ مغفورٌ، والثاني : غير مغفورٍ إلا أنْ يشاءَ اللهُ، ويشهدُ لذلك قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا ﴾، فهمُّه ﷺ كان خُطُراً بالبال من غير أن يخرج إلى الفعلِ، وهمُّها خرج إلى الفعل بدليل أنَّها ﴿ وَغَلَّقَتِ الأبواب وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ﴾ [ يوسف : ٢٣ ]، ﴿ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ ﴾ [ يوسف : ٢٥ ].
ويشهد للثاني قوله ﷺ » إذَا التَقَى المُسْلمَانِ بسيفَيْهِمَا فالقَاتِلُ والمقْتولُ في النَّار، فَقيلَ يا رسُول اللهِ هَذا القَاتِلُ فمَا بَالُ المَقْتُولِ؟ قال : لأنَّه كَانَ حَرِيصاً عَلَى قَتْلِ صَاحِبهِ «.
قال ابن الخطيب : وقال المُحققُونَ من المُفسِّرين، والمتكلِّمين : إنَّ يُوسفَ ﷺ ت كان بَرِيئاً من العملِ البَاطلِ، والهَمّ المُحرَّم، وبه نقولُ، وعنه نذبُّ، والدلائل الدَّالةُ على وُجوبِ عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مذكورة مقرّرة ونزيد هاهنا وجوههاً :
الأول : أن الزِّنا من منكرات الكبائرِ، الخيانةٌ في معرض الأمانةِ أيضاً من منكرات الذُّنوبِ وأيضاً : الصبيُّ إذا تربَّى في حجر الإنسان، وبقي مكفيَّ المؤنةِ، مصون العرضِ من أوَّلِ صباهُ إل زمان شبابه، وكما قوَّته، فإقدام هذا الصبي على إيصال أقبح أنواع الإساءة إلى ذلك المنعم المفضل من منكرات الأعمال، وإذا ثبت هذا فنقول : إن هذه المعصية إذا نسبوها إلى يوسف ﷺ كانت موصوفة بجميع الجهالات، ومثلُ هذه المعصية إذا نسيت إلى أفسقِ خلقِ الله، وأبعدهم من كلِّ حسنٍ، لا ستنكف منه، فكيف يجوز إسنادهُ إلى الرَّسولِ المُؤيّد بالمعجزات الباهرة مع قوله تعالى :﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السواء والفحشآء ﴾ وأيضاً فلا يليق بحكمة الله تعالى وذلك يدلُّ على أنَّ ما هيَّة السُّوء، ما هية الفحشاء مصروفةٌ عنه، والمعصية التي نسوها إليه أعظم أنواع السوء، والفحشاء، وأيضاً فلا يليق بحمة الله تعالى أن يحكي عن إنسان إقدامه على معصية، ثم يمدحه، ويثني عليه بأعظم المدائح والأثنية عقيب ما حكى عنه ذلك الذَّنب العظيم، فإنَّ مثاله ما إذا حكى السطان عن بعض عبيده أقبح الذنوب، وأفحش الأعمال، ثم يذكره بالمدح العظيم، والثناءِ البالغ عقيبه، فإنَّ ذلك متسنكرٌ جدًّا، فكذا هاهنا.