فعلى الأول، يقال : شَغفتُ فلاناً، إذا أصبت شِغفافهُ؛ كما تقولُ : كبدتهُ إذا أصبتَ كبدَه، فمعنى :« شَغَفَهَا حُبّاً » أي : خرق الحبُّ الجلدَ؛ حتَّى أصاب القلب، أي : أنَّ حبَّه أحاط بقلبها، مثل إحاطةِ الشِّغاف بالقلبِ، ومعنى إحاطة ذلك الحبِّ بقلبها : هو أنَّ اشتغالها بحبه صار حجاباً بينها، وبين كلِّ ما سوى هذه المحبَّة، فلا يخطر ببالها سواه، وإن قلنا : إنَّ الشِّغافُ سويداء القلبِ، فالمعنى : أنَّ حبُّهُ وصل إلى سويداءِ قلبها.
وقيل : الشِّغافُ داء يصلُ إلى القلب مِنْ أجل الحبِّ، وقيل : جليدةٌ رقيقةٌ يقال لها : لسانُ القلبِن ليست محيطةً به.
ومعنى :« شَغَفَ قلبَهُ » أي : خرق حجابهُ، إذا أصابه؛ فأحرقه بحرارةِ الحبِّ، وهو من شغف البعير بالهِناءِ، إذا طلاهُ بالقطرانِ، فأحرقهُ. [ والمشغوف من وصل الحب لقلبه ] قال الأعشى :[ البسيط ]
٣٠٧٩ يَعْصِي الوُشَاةَ وكَانَ الحُبُّ آونَةٌ | مِمَّا يُزَّينُ للمَشْغُوفِ ما صَنَعَا |
٣٠٨٠ وقَدْ حَالَ هَمٌّ دُونَ ذلِكَ والِجٌ | مَكَانَ الشِّغافِ تَبْتغيِهِ الأصَابعُِ |
وروي عن ثابت البناني، وأبي رجاء : كسر العين المهملة أيضاً، واختلف الناسُ في ذلك : فقيل : هو من شغف البعير، إذا هنأهُ، فأحرقه بالطقرانِ، قاله الزمخشريُّ؛ وأنشد :[ الطويل ]
٣٠٨١...................... | كَمَا شَعَفَ المَهْنُوءةَ الرَّجلُ الطَّالِي |
٣٠٨٢ أتَقْتُلنِي وقدْ شَعَفْتُ فُؤادهَا | كَما شَعَفَ المَهْنُوءةَ الرَّجلُ الطَّالِي |
وقال أبو البقاء رحمه الله لما حكى هذه القراءة :« مِن قولِكَ : فلانٌ مشغوفٌ بكذا، أي : مغرمٌ به ».
وقال ابنُ الأنباريِّ :« الشَّغفُ : رُءوسُ الجبالِ، ومعنى شغف بفلانٍ : إذا ارتفع حبُّه إلى أعْلَى موضعٍ من قلبهِ ».
وعلى هذه الأقوال فمعناهما متقاربٌ، وفرق بعضهم بينهمان فقال ابنُ زيدٍ :« الشَّغفُ يعني بالمعجمة في الحبِّ، والشعف : في البغضِ ».
وقال الشعبيُّ : الشَّغَفُ، والمشغوفُ بالغينِ منقوطة في الحبِّ، والشَّعفُ : الجنونُ، والمَشْعُوفُ : المَجنْونُ «.
قوله :﴿ إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾، أي : خطأ مبين ظاهر، وقيل : معناه : إنَّها تركت ما يكون عليه أمثالها من العفاف والستر.
» فلَّما سَمِعَتْ « راعيلُ » بِمكْرهِنَّ « ؛ بقولهنَّ، وسمى قولهنَّ مكراً؛ لوجوه :
الأول : أنَّ النسوة، إنما قلن ذلك؛ مكراً بها؛ لتُريهنَّ يوسف، كان يوصف لهن حسنهُ وجماله؛ لأنَّهن إذا قلن ذلك، عرضتْ يوسف عليهنَّ؛ ليتمهد عذرها عندهن.