قوله :( إني تركت ) يجُوز أن تكون هذه مستأنفة، أخبر بذلك عن نفسه، ويجوز أن تكون تعليلاً لقوله :﴿ ذلك مما علمني ربي ﴾، أي : تركي عبادة غير الله، سببٌ لتعليمه إيَّاي ذلك، وعلى الوجهين لا محلَّ لها من الإعراب، و « لا يُؤمِنُونَ » : صفةٌ ل « قومٍ ».
وكرَّر « هُمْ » في قوله :﴿ وَهُمْ بالآخرة هُمْ كَافِرُونَ ﴾ ؛ قال الزخشريُّ :« للدَّلالة على أنهم خُصُوصاً كافرون بالآخرة، وأنَّ غيرهم مؤمنون بها ».
قال أبُوا حيَّان :« وليستْ » هُمْ « عندنا تدلُّ على الخُصوصِ ».
قال شهابٌ الدِّينك « لم يَقل الزمخشريُّ إنها تدلُّ على الخُصُوصِ، وإنَّما قال :» وتكرير « هُمْ » للدلالةِ على الخصوصِ « فالتكريرُ هو الذي أفاد الخصوص وهو معنٌى حسنٌ ».
وقيل :« كرَّر » هُمْ « ؛ للتوكيد.
وسكَّن الكوفيُّون الياء مِنْ :» آبَائِي «، ورويت عن أبي عمرٍو، وإبراهيم، وما بعده : بدلٌ، أو عطفٌ بيانِ، أو منصوبٌ على المدح.
قوله ﴿ واتبعت مِلَّةَ آبآئي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ﴾، لمَّا أدَّعى النبوة، وتحدَّى بالمعجزة وهوعلمُ التَّعبير قرَّر كونه من أهل النبوة، وأنَّ أباه وأجداه كانوا أنبياء عليهم الصلاة والسلام فإنَّ الإنسان متى ادَّعى حرفة أبيه وجده، لم يستبعد ذلك منه، وأيضاً : فكما أنَّ درجة إبراهيم ﷺ وإسحاق، ويعقوب، كان أمْراً مشهوراً في الدنيا، فإذا ظهر أنَّه ولدهم، عظَّموه، ونظروا إليه بعينِ الإجلالِ؛ فكان انقيادهم له أتمَّ وتتأثر قلوبهم بكلامه.
فإن قيل : إنَّه كان نبيَّا، فكيف قال :﴿ واتبعت مِلَّةَ آبآئي ﴾، والنبيُّ لا بدَّ وأن يكون مختصاً بتشريعة نفسه؟.
فالجواب : لعلَّ مراده أنَّ التوحيد كلا يتغيَّر، ولعله كان رسُولاً من عند الله؛ إلاَّ أنه كان على شريعةِ إبراهيم صلوات الله وسلام عليه وعلى الأنبياء المرسلين.
قوله :﴿ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بالله مِن شَيْءٍ ﴾ فيه سؤال :
وهو أنَّ حال كُلِّ من المكلفين كذلك؟.
والجواب : ليس المراد بقوله :» مَاكَانَ لنَا « أنَّهُ حرَّم ذلك عليهم، بل المرادُ أنه تبارك وتعالى طهَّره، وطهر آباءه عن الكفر؛ كقوله ﴿ مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ ﴾ [ مريم : ٣٥ ].
قوله :» مِنْ شيءٍ « يحوز أن يكون مصدراً، أي : شيئاً من الإشراك، ويجوزُ أن يكون واقعاً على الشِّرك، أي : ما كان لنا أن نُشرِكَ شيئاً غيره من ملكِ، أو إنسٍ، أو جنٍّ، فكيم بصنَم؟.
و » مِنْ « [ مزيدة ] على التَّقديرين؛ لوجود الشرطين.