واعلم أنَّ الاستعانة بغيرِ الله في دفع الظلمن جائزةٌ في الشريعة، لا إنكار عليه.
وإذا كان كذلك، فلم صار يوسف ﷺ مُؤاخذاً بهذا القدر؟ وكيف لا يصيرُ مؤاخذاً بالإقدام على الزِّنا؟ ومكافأة الإحسان بالإساءة [ أولى ] ؟.
فلما رأينا الله أخذ يوسف بهذا القدرِ، ولمْ يؤاخذه في تلك القضية ألبتَّة، وما عابهُ، بل ذكره بأعظمِ وجوهِ المدحِ والثناءِ علمنا أنَّهُ ﷺ كان مُبَرًّأ ممَّا نسبوهُ إليهِ.

فصل في اشتقاق البضع وما يدل عليه


قال الزجاج :« اشتقاقُ الضْعِ من بَضعْتُ بمعنى قَطْعْتُ ».
قال النَّواوي :« والبِضْعُ بكسر الباء، وقد تفتح : ومعناه القطعةُ من العدد ».
قال الفراء : لا تذكرُ إلاَّ مع عشرةٍ، أو عشرينَ إلى التِّسعينَ؛ وذلك يقتضي أن يكون مخصوصاً بما بين الثلاثة إلى التسعةِ، قال : وهكذا رأيتُ العرب يقولون، وما رأيتهم يقولون : بضعٌ ومائةٌ، قال : وإنما يقالُ نيِّفٌ مائة؛ والقرآنُ يردُّ عليه.
ويقال : بضعُ نسوة، وبضعةُ رجالٍ.
روى الشعبيُّ رضي الله عنه « أنَّ النبي ﷺ قيل لهُ : كم البِضْعُ؟ قال : مَا دُونَ العَشرة ».
وقال ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما :« مَا دُونَ العشرة ».
وقال مجاهدٌ رضي الله عنه : مابين الثَّلاث إلى السَّبع.
وقيل إلى الخمسِ.
وقال قتادةُ رضي الله عنه : مابين الثَّلاث إلى التِّسعِ.
وأكثر المفسرين على أن البِضْعَ في هذه الآية سبعُ سنينَ، وقد لبث قبلهُ خمس سنين فجملته، اثنتا عشرة سنة.
قال ابن عبَّاسِ رضي الله عنهما :« لما تضرَّع يوسفُ صلوات الله وسلامه عليه لذلك الرجلِ، كان قد قرُبَ وقتُ خروجه، فلما ذكر ذلك لبث في السجن بعده سبع سنينَ ».
وقيل : البِضْعُك فوق الخمسةِ ودُون العشرة.
وقد تقدم عند قوله ﴿ بِضَاعَةً ﴾ [ يوسف : ١٩ ]، والبَعْضُ قد تقدَّم أه من هذا المعنى، عند ذكر البعوضةِ.
وفي المدَّة التي أقامها يوسف في السجن أقوالٌ :
أحدهما : قال ابنُ جريجٍ، وقتادة، ووهبُ بنُ منبِّه : أقام أيوبُ في البلاءِ سبعَ سنينَ، وأقام يوسفُ في السِّجن سبع سنينَ.
وقال ابن عباسك اثنتَيْ عَشْرة سنة.
وقال الضحاكُ : أرْبع عشرة سنة.


الصفحة التالية
Icon