قوله تعالى :﴿ وَقَالَ الملك إني أرى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ ﴾ الآية.
اعلم أنَّه تعالى عزَّ وجلَّ إذا أرادَ شيئاً، هيّأ أسبابه، ولما دنا فرجُ يوسف ﷺ رأى ملكُ مصر في النوم سبع بقراتٍ سمانٍ خرجن من نهرٍ يابسٍ، ثم خرج عَقِيبَهُنَّ سبعُ بقراتٍ عجافٍ في غايةِ الهُزال، فابتلعتِ العجافُ السِّمان، ورأى سبعَ سُنبلاتٍ خُضرٍ، قد انعقد حبُّها، وسبعاً أخر يابساتٍ، قد استحصدت، فالتوتِ اليابساُ على الخضرِ حتَّى غلبْنَ عليها، فلم يبق من خضرتها شيءٌ؛ فجمع الكهنة، والسَّحرة، والنجامة، والمُعبِّرين، وقصَّ عليهم رؤياه؛ وهو قوله ﴿ ياأيها الملأ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ قالوا أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ ﴾، أخلاط أحلامٍ مُشْتبهَةٌ أهاويلُ.

فصل


قال عليٌّ بنُ أبي طالب كرم الله وجهه :« المعز والبقر إذا دخلت المدينة، فإن كانت سماناً، فهي سِني رخاءٍ، وإن كانت عجافاً، كانت شداداً، وإن كانت المدينة مدينة بحرٍ، وأبَّان سفرٍ، قدمت سفنٌ على عددها، وحالها؛ وإلاَّ كانت فتناً مترادفةً كأنها وجوهُ البقر يشبه بعضها بعضاً؛ كما قال ﷺ في الفتنِ :» كأنَّها صَياصِيُّ البقَرِ « ؛ لتشابهها، إلاَّ أن تكون صفراً كلَّها، فإنَّها أمراضٌ تدخل على النَّاس، وإن كانت مختلفة الألوان شنيعة القرون، كان الناسُ ينفرون منها، أو كان النارُ والدخانُ يخرج من أفواهها؛ فإنها عسكر، أو غارة أو عدوّ، يضرب عليهم، وينزلُ بساحتهم، وقد تدلُّ البقرة على الزَّوجة، والخادم، والغلَّة والسَّنة : لما يكونُ فهيا من الغلَّةِ، والولدِ، والنباتٍ ».
قوله :« سِمَانٍ »، صفةٌ ل « بَقَراتٍ »، وهو جمعُ سمينةٍ، ويجمع « سَمِين » أيضاً عليه يقال : رجالٌ سمانٌ ونساءُ سمان؛ كما يقال : رجالُ كرامٌ ونساءٌ كرامٌ، و « السِّمن » : مصدر سَمِنَ يَسْمَنُ فهو سَمِينٌ، فالاسمُ والمصدر، جاءا على غير قاسٍ؛ إذا قياسهما « سَمَن » بفتح الميم فهو سَمِن بسكرها؛ نحو فَرِحَ فرحاً فهو فرح.
قال الزمخشريُّ :« فإن قلتَ : هل من فوقٍ بين إيقاع سمانٍ صفة للتمييز : وهو بقراتٍ دون المُميَّزِ : سَبْعَ بقرات سماناً؟ قلتُ : إذا أوقعتها صفة ل » بقَراتٍ «، فقد قصدت إلى أن تميِّز السبع بنوعٍ من البقرات، وهو السِّمان منهم، لا بِجِنْسهِنَّ، ولو وصفت السبع بها، لقصدت إلى تمييز السبع بجنس البقراتِ لا بنوع منها، ثم رجعت فوصفت المُميَّز بالجنس بالسمن.
فإن قلت : هلا قيل :»
سبع عجافٍ « على الإضافة.
قلت : التمييز موضوع الجنسِ، والعجافُ وصفٌ لا يقع البيان به وحده، فإن قلت : فقد يقولون : ثلاثة فرسانٍ، وخمسة أصحابٍ، لبيانِ؛ قلتُ : الفارسُ، والصاحبُ، والرَّاكب، ونحوها صفاتٌ جرت مجرى الأسماءِ؛ فأخذت حكمها، وجاز فيها ما لم يجز في غيرها، ألا تراك ألا تقول : عندي ثلاثةً ضخامٌ ولا أربعةٌ غلاظٌ.


الصفحة التالية
Icon