قيل : إنما كان الطعَّام بالصَّواع مبالغة في إكرامهم.
وقال مجاهدٌ، وأبو صالح : الصُّواع الطرجهالة بلغة حميرٍ. وإنَّما اتخذ هذا الإناء مكيلاً لعزة ما يكال به في ذلك الوقت. وفيه قراءات كلُّها لغات في ذلك الحرف، ويُذكِّر، ويؤنَّث فالعامة :« صُوَاع » بزنة :« غُرَاب »، العين مهملة، وقرأ ابن جبير، والحسن كذلك إلاَّ أنه بالغين المعجمة وقرأ يحيى بن يعمر كذلك؛ إلا أنه حذف الألف، وسكن الواو، وقرأ زيد بن عليِّ « صَوْغ » كذلك إلا أنه فتح الصَّاد، وجعله مصدراً ل :« صَاغَ » يَصُوغُ. والقراءتان [ قبله ] مشتقان منه وهو واقع موقع مفعول. أي : مصوغ الملك.
وقرأ أبو حميرة وابن جبير والحسن رضي الله عنهم في رواية عنهما « صِواعَ » كالعامة إلا أنهم كسروا الفاء. وقرأ أبو هريرة ومجاهد رضي الله عنهما :« صَاع » بزنة بَاب وألفه كألفه في كونها منقلبة عن واو مفتوحة وقرأ أبو رجاء :« صَوْع » بزنة « قَوْس ».
وقرأ عبدالله بن عون كذلك إلا أنه ضم الفاء فهذه ثمان قراءات متواترة وواحدة في الشاذ.
قوله :﴿ وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ ﴾ أي من الطعام، ﴿ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ ﴾.
قال مجاهد : الزعيم هو المؤذن الذي أذن، والزعيم : الكفيل.
قال الكلبيُّ : الزَّعيمُ : هو الكفيل بلسانِ أهل اليمنِ.
روى أبو عبيدة عن الكسائيِّ : زعمْتُ بِهِ أزعُم زُعْماً وزَعَامَةً، أي : تكفلت به.
وهذه الآية تدلُّ على أنَّ الكفالة كانت صحيحة في شرعهم، وقد حكم بها رسول الله ﷺ في قوله :« الزَّعيمُ غَارِمٌ ».
فإن قيل : هذه الكفالةُ شيءٌ مجهولٌ؟.
فالجواب : حمل البعير من الطَّعام كان معلوماً عندهم، فصحت الكفالةُ به إلاَّ أن هذه الكفالة ما لرد السَّرقة، وهي كفالةٌ بما لم يجب؛ لأنَّه لا يحلُّ للسَّارقِ أن يأخذ شيئاً على ردّ السِّرقةِ، ولعلّ مثل هذه الكفالة كانت تصحُّ عندهم.

فصل


قال القطربيُّ :« تجوز الكفالةُ عن الرِّجلُ؛ لأنَّ المؤذن هو الضَّامنُ وهو غير يوسف صلوات الله وسلامه عليه.
قال علماؤنا : إذا قال الرجلُ : تحمَّلتُ، أو [ تكفلت ] أو ضمِنتُ، أو أنا حميلٌ لكل أو زعيمٌ، أو كفيلٌ، أو ضامنٌ، أو قبيلٌ، أو لك عندي، أو علي، أو إليّ، أو قبلي، فذلك كلُّه [ حَمالةٌ ] لازمةٌ.
واختلفوا فيمن تكفل بالنفس، أو بالوجه هل يلزمه ضمانُ المالِ »
.
فقال الشافعيُّ رضي الله عنه في المشهور عنه، وأحمد : مَن تكفَّل بالنَّفس لم يلزمه الحقٌّ الذي على المطلوب إن ماتَ.
وقال مالكُ، والليثُ، والأوزاعيُّ : إذا تكفل نفسه، وعليه مال، فإن لم يأت به غرم المال، ويرجع به على المطلوب، فإن اشترط ضمان نفسه، أو وجهه، وقال : لا أضمن المال، فلا شيء عليه من المال «.


الصفحة التالية
Icon