فصل


واختلفوا فيما إذا تكفَّل رجلٌ عن رجلٍ بمالٍ، هل للطالب أن يأخذ من شاء منهما؟.
فقال الأوزاعيُّ، والشافعيُّ، وأحمد، وإسحاق : يأخذ من شاء منهما، وهذا كان قولم مالكٍ، ثمُّ رجع عنه فقال : لا يأخذُ من الكفيل إلاَّ أن يفلس الغريمُ، أو يغيبُ؛ لأنَّ البداءة بالذي عليه الحق أولى إلاَّ أن يكون معدماً، فإنَّه يأخذُ من الحميل؛ لأنه معذورٌ في أخذه في هذه الحالةِ، وهذا قولٌ حسنٌ، والقياسُ : أنَّ للرَّجُلِ مطالبة من شاء منهما.
وقال ابنُ أبي ليلى : إذا ضمن الرَّجلُ عن صاحبه مالاً؛ تحوَّل على الكفيل، وبرىء الأصيل، إلاَّ أن يشترط المكفول له عليهما أن يأخذ من أيهما شاء.
قوله « تاللهِ » التاء حرف قسم، وهي عند الجمهور بدل من واو القسم ولذلك لا تدخل إلاَّ على الجلالة المعظمة، أو الرب مضافاً للكعبة، أو الرحمن في قول ضعيف، ولو قلت : تالرحْمن « لم يجز، وهي فرعُ الفرعِ. وهذا مذهب الجمهور.
وزعم السيهليُّ : أنهَّا أصلٌ بنفسها، ويلازمها التَّعجب غالباً كقوله :( تالله تفتأ تذكر يوسف ).
وقال ابنُ عطيَّة :»
والتَّاء في « تَاللهِ » بدلٌ من واو، كما أبدلت في تراثٍ، وفي التَّوراةِ، وفي التخمة، ولا تدخلُ التَّاء في القسم، إلاَّ في المكتوبة، من بين أسماء الله تعالى وغير ذلك لا تقول تالرحمنِ، وتَا الرَّحيم « انتهى وقد تقدَّم أنَّ السُّهيليَّ خالف في كونها بدلاً من واوٍ.
وأمَّا قوله :»
في التَّوراةِ « يريد عند البصريين، وزعم بعضهم أنَّ التَّاء فيها زائدةٌ، وأمَّا قوله » إلا في المكتُوبَةٍ « هذا هُوا المشهور، وقد تقدَّم دخولها على غير ذلك.
قوله :»
مَا جِئْنَا « يجوز أن يكون معلقاً للعلم، ويجوز أن يضمن العلم نفسه معنى القسم فيجاب بما يجاب به القسم، وقيل هذان القولان في قول الشاعر :[ الكامل ]
٣١٢٥ ولقَدْ عَلمْتُ لتأتِينَّ مَنيِّتِي إنَّ المَنايَا لا تَطِيشُ سِهَامُهَا
قوله ﴿ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ ﴾ يحتمل أن يكون جواباً للقسم فيكونون قد أقسموا على شيئين : نفي الفساد، ونفي السَّرقة.

فصل


قال المفسرونك حلفوا على أمرين :
أحدهما : على أنهم ما جاءوا لأجل الفسادِ في الأرض؛ لأنَّه ظهر من أحوالهم وامتناعهم من التصرف في أموال النَّاس بالكليَّة لا بأكل، ولا بإرسال في مزارع النَّاس حتَّى روي أ نهم كانوا يسدون أفواه دوابهم لئلا يفسد زرع النَّاس، وكانوا مواظبين على أنواع الطَّاعات.
والثاني : أنهم ما كانوا سارقين، وقد حصل لهم في شاهد قاطع، وهو أنهم لما وجدوا بضاعتهم في رحالهم حملوها من بلادهم إلى مصر، ولم يستحلُّوا أخذها والسارق لا يفعل ذلك ألبتَّة، فلمَّا بينوا براءتهم من تلك التهمة قال أصحابُ يوسف صلوات الله عليه :﴿ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ ﴾ فأجابوه، ﴿ قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ ﴾ قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما : كانوا يستعبدون في ذلك الزمان كُلَّ سارقٍ بسرقته، فلذلك قالوا :﴿ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ ﴾ أي : فالسَّارقُ جزاؤه، أي : فيسلم السَّارق إلى المسرُوق منه، وكان سنة آل يعقوب في حكم السَّارق، وكان حكم ملك مصر أن يضرب السَّارق، ويغرمه قيمة المسروق، فأراد يوسف أن يحبس أخاه عند فردَّ الحكم إليهم؛ ليتمكن من حبسه عنده على حكمهم.


الصفحة التالية
Icon