قوله تعالى :﴿ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدهما : أن يكون « جَزاؤهُ » مبتدأ، و الضمير للسَّارق، و « مَنْ » شرطيَّة أو موصولة مبتدأ ثاني، والفاء جواب الشَّرط، أو مزيدة في خبر الموصول لشبهه بالشَّرطِ و « مَنْ » وما في حيزها على وجهيها خبر المبتدأ الأوَّلِ، قاله ابن عطيَّة، وهو مردودٌ؛ لعدم رابط بين المبتدأ، وبين الجملة الواقعة خبراً عنه، هكذا ردَّه أبو حيَّان عليه.
وليس بظاهر؛ لأنَّه يجاب عنه بأن هذه المسألة من باب إقامة الظاهر مقام الضمير ويتَّضح هذا بتقدير الزمخشري رحمه الله فإنَّه قال :« ويجوز أن يكون » جَزاؤهُ « مبتدأ، والجملة الشرطية كما هي خبره، وعلى إقامة الظَّاهر فيها مقام المضمر، والأصل : جزاؤه، من وجد في رحله فهو هو، فوضع الجزاء موضع » هو « كما تقول لصاحبك : مَنْ أخُوا زيدٍ؟ فيقول لك : من يقْعُد إلى جَنْبِهِ فهُوا هو يرجع الضمير الأول إلى :» مَنْ «، والثاني إلى الأخِ، فتقولُ :» فهو أخوه « مقيماً الظاهر مقام المضمر ».
وأبو حيان جعل هذا المحكيّ عن الزَّمخشري وجهاً ثانياً بعد الأوَّلِ، ولم يعتقد أنه هو بعينه، ولا أنه جوابٌ عما ردَّ به على ابن عطيَّة.
ثمَّ قال :« وضع الظَّاهر موضع المضمر للرَّبطِ، وإنَّما هو فيصحٌ في مواضع التفخيم والتَّهويل، وغير فصيح فيما سوى ذلك، نحو : قام زيدٌ، وينزه عنه القرآن.
قال سيبويه :» لو قلت : كان زيدٌ منطلقا زيدٌ « لم يكن حدُّ الكلام وكان ههنا ضعيفاً، ولم يكن كقولك : مازيدٌ مُنْطكلقاً هُوَ؛ لأك قد استغنيت عن إظَهاره، وإنَّما ينبغي لك أن تضمره ».
قال شهابُ الدِّين : ومذهبُ الأخفش أنَّه جائزٌ مطلقاً، وعليه بنى الزمخشريُّ، وقد جوَّز أبو البقاء ما توهم أنَّهُ جواب عن ذلك فقال :
والوجه الثالث : أن يكون « جَزاؤهُ » مبتدأ، و « مَنْ وُجِدَ » متبدأ ثان، و « هُوَ » مبتدأ ثالثُ، و « جَزَاؤهُ » خير الثالث، والعائدُ على المبتدأ الأول الهاء الأخيرة وعلى الثاني « هُوَ » انتهى.
وهذا الذي ذكره أبو البقاء لا يصح؛ إذ يصير التقدير : فالذي وجد في رحله جزاؤه الجزاء؛ لأنَّه جعل « هُوَ » عبارة عن المبتدأ الثاني، وهو :﴿ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ ﴾ وجعل الهاء الأخيرة، وهي التي في :« جَزاؤهُ » الأخير عائدةٌ على :« جَزاؤهُ » الأوَّل، فصار التقدير كما ذكرنا.