واعلم أنَّ الكيد يشعر بالحِيلةِ، والخَديعة، وذلك في حقل الله تعالى محال إلا أنَّه قد تقدم أصل معتبر في هذا الباب، وهو أنَّ أمثال هذه الألفاظ في حق الله تعالى تحمل على نهايات الأغراض، لا على بداياتها، وتقرَّر ذلك عند قوله :﴿ إِنَّ الله لاَ يَسْتَحْى ﴾ [ البقرة : ٢٦ ] فالكيدُ : السَّعي في الحلية، والخديعة، ونهايته اشتغال الإنسان من حيث لا يشعر في أمرٍ مكروهٍ، ولا سبيل له إلى دفعه، فالكَيْدُ في حقِّ اله محمولٌ على هذا المعنى.
وقيل : المرادُ بالكيد ههنا : أنَّ أخوة يوسف سعوا في إبطال أمره، والله نصرهُ وقوَّاه، وأعلى أمرهُ.
قال القرطبي : قال ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما :« كِدْنَا » معناه : صنعنا. وقال القتبيُّ : دبَّرنا. وقال ابنُ الأنباري : أردنا؛ قال الشاعر :[ الكامل ]
٣١٢٦ كَادَتْ وكِدْتُ وتِلْكَ خَيرٌ إرَادَةٍ | لَوْ مِنْ عَهْدِ الصِّبَا ما قَدْ مَضَى |
فصل
قال القرطبيُّ :« في الآية دليلٌ على جواز التَّوصل إلى الأغراض بالحيل إذا لم تخالف شريعة، ولا هدمت أصلاً خلافاً لأبي حنيفة رضي الله عنه في تجويز الحيل وإن خالفت الأصول، وخرمت التحليل، وأجمعوا على أنَّ للرَّجُلِ التَّصرف في ماله قبل حُلولِ الحوْلِ بالبيع، والهبةِ إذا لم ينوا الفرارَ من الزَّكاةِ، وأجمعوا على أنَّه إذا حال الحولُنو أظلَّ السَّاعِي أنه لا يحلّ له التّحيل، ولا النُّقصانُ ولا أن يفرق بين مجتمع ولا أن يجمع بين متفرق ».
فصل
قال ابنُ العربيّ : قال بعضُ الشَّافيعة : في قوله تعالى :﴿ وكذلك مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرض ﴾ [ يوسف : ٢١ ] دليل على وجه الحيلة إلى المباح، واستخراجِ الحقوق، وهذا وهمٌ عظيم، وقوله تعالى :﴿ وكذلك مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرض ﴾ [ يوسف : ٢١ ] قيل فيه : لمَّا مكَّنا ليوسف ملك نفسه عن امرأة العزيز مكَّنَّا له ملك الأرض عند العزيز، وهذا لا يشبهُ ما ذكروهُ.
قال الشعفوي : ومثله قوله :﴿ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فاضرب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ ﴾ [ ص : ٤٤ ] هذا ليس حيلة، إنما هو حمل [ اليمين ] على الألفاظ، أو على المقاصد.
قوله :﴿ إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه استنثاءٌ منقطعٌ تقديره : ولكن بمشيئة الله أخذه في دينٍ غير دينِ الملكِ، وهو دينُ آلِ يعقوب أنَّ الاسترقاق جزاءُ للسَّارقِ.
قال ابن عبَّاس رضي الله عنه :« فِي دِين الملِكِ » أي في سلطانه.
﴿ إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله ﴾ أي : أنَّ يوسف لم يتمكن من حبس أخيه في حكم الملك لولا ما كدنا له بلطفنا، حتى وجد السبيل إلى ذلك، وهو ما جرى على [ السنة ] الإخوة أنَّ جزاء السارق الاسترقاق فحصل مراد يوسف بمشيئة الله.