والثاني : أنَّه مفرغ من الأحوال العامَّة، والتقدير : ما كان ليأخذه من كلِّ حالٍ إلا في حال التباسه بمشيئة الله عزَّ وجلَّ أي : إذنه في ذلك.
وكلاُ ابن عطيَّة محتملٌ فإنه قال والاستثناء حكاية حال، والتقدير : إلاَّ أن يشاء ما وقع من هذه الحيلة.
قوله :﴿ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ ﴾ تقدَّم القراءتان فيها في الأنعام [ الأنعام : ٨٣ ].
وقرأ يعقوب بالياء من تحت « يَرْفعُ : ، و » يَشاءُ « والفاعل الله تعالى.
وقرأ عيسى البصري »
نَرْفَعُ « بالنون » دَرجَاتٍ « منونة، و » يَشَاءُ « بالياء.
قال صاحبُ اللَّوامحُ :»
وهذه قراءة مرغوبٌ عنها تلاوة، وجملة، وإن لم يمكن إنكارها «.
قال شهابُ الدِّين رحمه الله :»
وتوجيهها : أنَّهُ التفت في قوله « يَشَاءُ » من التَّكلُّم إلى الغيبةِ، والمراد واحدٌ «.
قوله :﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾ قرأ عبدالله بن مسعود :( وفوق كل ذي عالم ). وفيها ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يكون »
عَالِم « هنا مصدراً، قالوأ : مثل الباطل فإنَّهُ مصدر فهي كالقراءة المشهورة.
الثاني : أنَّ ثمَّ مضافاً محذوفاً، تقديره : وفوق كل ذي مسمى عالمٍ؛ كقوله :[ الطويل ]
٣١٢٧ إلى الحَوْلِ ثمَّ اسْمُ السَّلامِ عَليْكُمَا... أي : مُسمَّى السِّلام.
الثالث : أنَّ »
ذو « زائدة؛ كقوله الكميت :[ الطويل ]

٣١٢٨....... ذَوِي آلِ النَّبيِّ....... .................

فصل


قوله :﴿ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ ﴾ بالعلم كما رفعنا درجة يوسف على إخوته والمعنى : أنه خصَّه بأنواع العلوم.
وهذه الآية تدلُّ على أنَّ العلم أشرف المقامات، وأعلى الدَّرجات لأنه تعالى لما هدى يوسف إلى هذه الحيلة مدحه لأجل ذلك فقال :﴿ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ ﴾.
ثم قال :﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾ قال ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما :﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ ﴾ على إلى أن ينتهي العلم إلى الله تعالى فالله فوق كلِّ عالمٍ.
والمعنى : أنَّ إخوة يوسف كانوا علماء فضلاء، إلاَّ أنَّ يوسف كان زائداً عليهم في العلم.
واحتجَّ المعتزلةُ بهذه الآيةِ على أنَّهُ تعالى عالم لذاته؛ لأنَّه لو كان عالماً بالعلم، لكان ذا علم، ولو كان كذلك لحصل فوقه عليهم تمسكاً بهذه الآية.
قال ابن الخطيب :»
وهذا باطلٌ؛ لأن أصحابنا قالوا : دلَّت سائر الآيات على إثبات العلم باللهِ تعالى وهو قوله :﴿ إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ الساعة ﴾ [ لقمان : ٣٤ ] ﴿ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ ﴾ [ النساء : ١٦٦ ]، ﴿ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ ﴾ [ البقرة : ٢٥٥ ]، ﴿ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ ﴾ [ فاطر : ١١ ] وإذا وقع التَّعارضُ، فنحن نحملُ الآية التي تمسَّك بها الخصمُ على واقعة يوسف وإخوته، غاية ما في الباب أنه يوجب تخصيص عموم إلا أنَّه لا بد من المصير إليه؛ لأن العالم مشتقٌّ من العلم، والمشتقُّ منه مفردٌ، وحصول المركب بدون حصول المفرد محالٌ في بديهة العقلِ، فكان التَّرجيحُ من جانبنا «.


الصفحة التالية
Icon