﴿ وَإِذْ هُمْ نجوى ﴾ [ الإسراء : ٤٧ ]، وحينئذ يكون فيه التأويلات المذكورات في :« رجُلٌ عدلٌ » وبابه، ويحمع على « أنْجِيَة »، وكان من حقِّه إذا جعل وصفاً أن يجمع على « أفْعِلاء »، ك « غَنِيّ »، وأغْنِيَاء « و » شَقِيّ، وأشْقِيَاء « ؛ ومن مجيئه على » أنجِيَة « قول الشاعر :[ الرجز ]

هناك أوصيني ولا تُوصِي بِيَهْ... وقول لبيد :[ الكامل ]
٣١٣١ إنِّي إذَا ما القَوْمُ كَانُوا أنْجِيَهْ واضْطَرَبَ القَوْمُ اضطِرابَ الأرْشِيَهْ
٣١٣٢ وشَهِدْتُ أنْجِيةً الأفَاقةِ عَالِياً كَعبي وَأرْدَافُ المُلوكِ شُهُودُ
وجمعه كذلك يقوي كونه جامداً، إذ يصيرُ كرغيب، وأرغِفَة.
وقال البغويُّ : النَّجِي يصلحُ للجماعة، كما قال ههنا، وللواحد كما قال :﴿ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً ﴾ [ مريم : ٥٢ ] وإنما جاز للواحد والجمع؛ لأنه مصدر جعل نعتاً كالعدل، ومثله النَّجوى يكونُ اسماً، ومصدراً، قال تعالى ﴿ وَإِذْ هُمْ نجوى ﴾ [ الإسراء : ٤٧ ] أي : مُتنَاجِين، وقال حل ذكره ﴿ مَا يَكُونُ مِن نجوى ثَلاَثَةٍ ﴾ [ المجادلة : ٧ ] وقال في المصدر ﴿ إِنَّمَا النجوى مِنَ الشيطان ﴾ [ المجادلة : ١٠ ].
قال ابن الخطيب :»
وأحسنُ الوجوه أن يقال : إنَّهم تمحَّضُوا تناجياً؛ وأنَّ من كمل حصول أمرٍ من الأمُورِ فيه وصف بأنَّه صار غير ذلك الشَّيء فلما أخذوا في التَّناجي على غاية الجدِّ؛ صاروا كأنهم في أنفسهم صاروا نفس التَّناجِي في الحقيقة «.
»
قالَ كَبيرُهمْ « في العقل، والعلم لا في السنِّ، وهو » يَهُوذَا «، قاله ابن عباسٍ، والكلبي.
وقال مجاهدٌ : شمعون، وكانت له الرِّئاسةُ على إخوته.
وقال قتادة، والسديُّ، والضحاك : وهو روبيلُ، كان أكبرهم في السنِّ، وهو الذي نهاهم عن قتل يوسف عليه السلام.
﴿ أَلَمْ تعلموا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقاً ﴾ : عهداً :﴿ مِّنَ الله ﴾، وأيضاً : نحنُ متَّهمُونَ بواقعة يوسف.
قوله ﴿ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ ﴾ في هذه الآية وجوه ستة :
أظهرها : أنَّ »
مَا « مزيدة فيتعلَّق الظَّرف بالعفل بعدها، والتقدير : ومن قبل هذا فرَّطتم، أي : قصَّرتم في حقِّ يوسف، وشأنه، وزيادة » مَا « كثيرة، وبه بدأ الزمخشري وغيره.
الثاني : أن تكون »
مَا « مصدرية في محلِّ رفع بالابتداء، والخبر الظَّرف المتقدم قال الزمخشريُّ : على أنَّ محل المصدر الرَّفع بالابتداء، والخبر الظرف وهو » مِنْ قَبْلُ «، والمعنى : وقع من قبل تفريطكم في يوسف ﷺ وإلى هذا نحا ابنُ عطيَّة أيضاً فإنَّه قال : ولا يجوز أن يكون قوله :» مِنْ قَبْلُ « متعلقاً ب :» مَا فَرَّطْتُمْ «، وأنَّ » مَا « تكون على هذا مصدرية، والتقدير : ومن قَبْلِ تفريطكم في يوسف واقعٌ، أو مستقرٌ وبهذا المقدر يتعلق قوله :» مِنْ قَبْلُ «.
قال أبو حيَّان : هذا وقول الزمخشريُّ راجعان إلى معنى واحد، وهو أن »
مَا فرَّطتُمْ « يقدَّرُ بمصدرٍ مرفوع بالابتداء، و :» مِنْ قَبْلُ « في موضع الخبر وذهلا عن قاعدة عربيَّة، وحقَّ لهما أن يذهلا وهي أنَّ هذه الظروف التي هي غايات إذا بُنيت لا تقع أخباراً للمبتدأ جرَّت، أو لم تجرَّ، تقول : يومُ السَّبت مُباركٌ والسَّفر بعدهُ، ولا تقول : والسَّفر بَعد و » عَمْرٌو وزيْدٌ خَلفهُ « ولا يجوز : عمرٌو وزيدٌ خلف، وعلى ما ذكراه يكون :» تَفْريطُكُم « مبتدأ، و » مِنْ قَبْلُ « خبر وهو مبنيُّ وذلك لا يجوز، وهو مقررٌ في علم العربيِّة ».


الصفحة التالية
Icon