وقيل هذه ألف الندبة، وحذفت هاء السَّكت وصلاً.
قال الزمخشريُّ : والتَّجانس بين لفظتي الأسف، ويوسف ممَّا يقعُ مطبوعاً غير متعمل فيملح، ويبدع، ونحوه :﴿ اثاقلتم إِلَى الأرض أَرَضِيتُمْ ﴾ [ التوبة : ٣٨ ] ﴿ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ﴾ [ الأنعام : ٢٦ ] ﴿ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ ﴾ [ الكهف : ١٠ ] ﴿ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ ﴾ [ النمل : ٢٢ ].
قال شهابُ الدِّين : ويسمَّى هذا النَّوع تجنيس التَّصريف، وهو أن تشترك الكلمتان في لفظ، ويفرق بينهما بحرف ليس في الأخرى، وقد تقدَّم [ الأنعام : ٢٦ ].
وقرأ ابن عباسٍ، مجاهدٌ « مِنَ الحَزَن » بفتحتين، وقتادة بضمتين والعامة بضمة فسكون.
فالحُزْن، والحَزَن، كالعُدْمِ، والعَدَم، والبُخْل والبَخَل، وأمَّا الضمتان فالثانية إتباعٌ. وقال الواحديُّ : اختلفوا في الحُزْنِ، الحَزَن، فقال قومٌ : الحُزْن : البُكاء والحَزَن ضد الفرحِ، وقال قومٌ : هما لغتان، يقال : أصَابهُ حُزْنٌ شديدٌ وحَزنٌ شديدٌ، إذا كان في مواضع النَّصب، فتحوا الحاء، والزَّاي كقوله :﴿ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدمع حَزَناً ﴾ [ التوبة : ٩٢ ]، وإذا كان في موضع الرفع، والخفض فبضم الحاءِ، كقوله :﴿ مِنَ الحزن ﴾ وقوله :﴿ إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الله ﴾ قال : هما في موضع رفع بالابتداء.
و « كَضِيمٌ » يجوز أن يكون مبالغة بمعنى فاعل، وأن يكون بمعنى مفعول، كقوله :﴿ وَهُوَ مَكْظُومٌ ﴾ [ القلم : ٤٨ ] وبه فسَّرهُ الزمخشريُّ، فإن كان بمعنى الكَاظِم فهو الممسكل على حزنه فلا يظهره، وإن كان بمعنى المكظُومِ، فقال ابنُ قتيبةك « معناه المملوء من الهمّ، والحزن مع سدّ طريق نفسه المصدور، من كَظَمَ السِّقاء، إذا اشتدّ على ملئه، ويجوز أن يكون بمعنى مَمْلُوء من الغيظِ على أولاده ».
فصل
تقدَّم الكلام على الأسفِ، وأمَّا قوله :﴿ وابيضت عَيْنَاهُ مِنَ الحزن ﴾ فقيل : إنَّه لما قال :﴿ ياأسفا عَلَى يُوسُفَ ﴾ غلبه البُكَاءُ، وعند غلبةِ البُكاءِ يكثرُ الماء في العين، فتصير العينُ كأنها ابيضَّت من بياض ذلك الماءِ، فقوله :﴿ وابيضت عَيْنَاهُ ﴾ كناية عن غلبة البكاءِ. رواه الواحدي عن ابن عبَّاسٍ. وقال مقاتلٌ : كناية عن العمى، فلم يبصر بهما شيئاً حتى كشفهُ اللهُ تعالى بقميص يوسف ﷺ بقوله :﴿ فَأَلْقُوهُ على وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً ﴾ [ يوسف : ٩٣ ]، وقال :﴿ فَلَمَّآ أَن جَآءَ البشير أَلْقَاهُ على وَجْهِهِ فارتد بَصِيراً ﴾ [ يوسف : ٩٦ ] : ولأنَّ الحزن الدَّائم، يوجب البكاء الدائم وهو يوجب العمىح لأنَّه يوجب كُدُورة على سوادِ العين.
وقيل : ما عمي، ولكنَّه صار بحيثُ يدرك إدراكاً ضعيفاً؛ كما قال :[ الطويل ]
٣١٣٤ خَلِيليَّ إنِّي قَدْ غَشِيتُ مِنَ البُكَا | فهَلْ عِنْدَ غَيْرِي مُقلَةٌ اسْتَعِيرُهَا |
قولهك « تَفْتَؤ » هذا جواب القسم في قوله :« تَاللهِ » وهو على حذف لا أي : لا تفتؤ كقول الشَّاعر :[ البسيط ]