٣١٤٠ إنِّي امْرُؤٌ لجَّ بِي همٌّ فأحْرَضْنِي... والحُرْضَة : من لا يأكل إلاَّ لحم الميسر لنذالتهِ، والتَّحريضُ : الحثُّ على الشَّيء بكثرة التَّزيينِ، وتسهيل الخطب فيه، كأنَّه إزالة الحرض نحو : قَذَّيتُه، أي : أزلتُ عنه القَذَى، وأحرضتهُ : أفسدتهُ، نحو : أقذيتهُ : إذا جعلت فيه القَذَى « انتهى ».
والحُرُضُ : الأشنانُ، لإزالته الفساد، والمِحْرضَة : وعاؤه، وشذوذها كشذوذ : مُنْخُل، ومُسْعُط، ومُكْحُلة.
وحكى الواحديُّ عن أهل المعاني : أنَّ أصل الحَرَض : فساد الجسم، والعقل للحزن، والحبِّ، وقولهم : حرَّضتُ فلاناً على فلانٍ، تأويله : أفسدته وأحميته عليه، قال الله تعالى :﴿ حَرِّضِ المؤمنين عَلَى القتال ﴾ [ الأنفال : ٦٥ ].
وإذا عرفت هذا فوصف الرَّجُل بأنه حرض إمَّا أن يكون المراد منه : ذو حرض فحذف المضاف، أو المراد منه : أنَّه لما تناهى في الفسادِ، والضعفح فكأنَّه صار عين الحرض، ونفس الفسادِ، وأمَّا الحَرِض بكسر الراء فهو الصِّفة كما قرىء بها وللمفسِّرين فه عباراتُ :
أحدها : الحَرَض، والحَارِضُ، وهو الفساد في جسمه، وعقله.
وثانيها : قال نافع بن الأزرق : سئل ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما فقال : الفاسد الرَّأي.
وثالثها : أنه هو الذي يكون لا كالأحياء، ولا كالأموات.
وذكر أبو روق أنَّ أنس بن مالك قرأ :﴿ حتى تَكُونَ حَرَضاً ﴾ بضمِّ الحاء وسكن الرَّاء.
ثم قال تعالى :﴿ أَوْ تَكُونَ مِنَ الهالكين ﴾ من الأموات، والمعنى : لا تزال تذكر يوسف بالحزن، والبكاء عليه حتى تصير بحث لا تنتفع بنفسك، أو تموت من الغمّ،
وأرادوا بذلك منعه من كثرةِ البُكاءِ، والأسف.
فإن قيل : لم حلفوا على ذلك مع أنَّهم لم يعلموا ذلك قطعاً؟.
فاالجواب : أنَّهم بنوا الأمر على الظَّاهر.
قال المفسِّرون : القائل هذا الكلام، وهوقوله :﴿ تالله تفتؤ تذكر يوسف ﴾ هم إخوة يوسف، وقال بعضهم : ليسوا الإخوة، بل الجماعة الذين كانوا في الدَّار من أولاده وخدمه، فقال يعقوب ﷺ :﴿ إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ﴾ والبَثُّ : أشدُّ الحزن، كأنَّه لقوته لا يطاق حمله، فيبثه الإنسان، أي : يفرِّقه، ويذيعه وقد تقدَّم [ آل عمران : ١٨٦ ] أنَّ أصل هذه المادَّة الدلالة على الانتشار، وجوَّز فيه الرَّاغب هنا وجهين :
أحدهما : أنه مصدر في معنى المعفولِ، قال :« أي : غمّي الذي يبثه عن كتمانٍ، فهو مصدر في تقدير مفعول، أو يعني غمِّي الذي بثَّ فكري، فيكون في معنى الفاعل ».
وقرأ الحسن وعيسى « وحَزَنِي » بفتحتين، و قتادة بضمتين، وقد تقدم.

فصل


المعنى : أن يعقوب عليه السلام لما رأى غلظتهم، قال : إنَّما أشكو شدَّة حزني إلى الله، وسمَّى شدَّة الحزن بثًّا؛ لأنَّ صابحه لا يبصر عليه حتى يبثه، أي :[ يظهره ].
وقال الحسن : بَثِّي، اي : حاجتي، والمعنى : أنَّ هذا الذي أذكره لا أذكره معكم، وإنَّما أذكره في حضرةِ الله تعالى والإنسان إذا ذكر شكواه إلى الله تعالى كان ف يزمرة المحققين.


الصفحة التالية
Icon