وقد جوَّز الزمخشريُّ : أن يكون الظَّرف متعلقاً ب : تَثْرِيبَ « فقال : فإن قلنا : بم يتعلق » اليوم « ؟ قلت : بالتثريب، أو بالمقدر في » عَليْكُم « من معنى الاستقرار أو ب : يَغْفِرُ »، فجعله أنه متعلق ب « تَثْرِيب » وفيه ما تقدَّم.
وقد أجرى بعضهم الاسم العامل مجرى المضاف لشبهه به، فنزع ما فيه من تنوين أو نون؛ وجعل الفارسيُّ من ذلك قول الشاعر :[ الطويل ]
٣١٥٠ أرَانِي ولا كُفْرانَ للهِ أيَّةً | لِنفْسِي لقَدْ طَالبْتُ غَيْرَ مُنِيلِ |
قال أبو حيَّان :« لو قيل به لكان قويًّا »، وقد يفرَّق بينهما : بأنّ هنا يلزم كثرة المجاز، وذلك أنَّك تحذف الخبر، وتحذف هذا الذي تعلق به الظرف وحرف الجر، وتنيب الفعل إليه، لأنَّ التثريب لا يثرب إلا مجازاً، كقولهم :« شِعرٌ شاعرٌ » بخلاف :« لا عَاصِمَ يَعْصِم » فإن نسبة الفعل إلى العاصم حقيقة، فهناك حذف شيءٍ واحد من غير مجاز، وهنا حذف شيئين مع مجاز.
والتَّثْرِيبُ : العَتبُ، والتَّأنيب، وعبَّر بعضهم عنه بالتَّعيير من عيَّرته بكذا إذا عتَبْته وفي الحديث :« إذَا زَنَتْ أمَةٌ أحدكُم، فليَجْلدْهَا، ولا يُثرِّبْ » أي : لا يعيِّر، وأصله من الثَّرب، وهو ما تغشى الكرش من الشَّحم، ومعناه : إزالةٌ الثَّرب، كما أنَّ التَّجليد إزالةٌ الجلدِ، فإذا قلت : ثرَّبتُ فلاناً، فكأنَّنك لشدَّة عتبك له أزلت ثربه، فضرب مثلاً في تزيق الأعراض.
وقال الرَّاغب :« ولا يُعْرَفُ من لفظه إلاَّ قولهم : الثَّرْبُ، وهو شحمةٌ رقيقةٌ وقوله تعالى :﴿ ياأهل يَثْرِبَ ﴾ [ الأحزاب : ١٣ ] يصحُّ أن يكون أصله من ذها الباب، والياء فيه مزيدية ».