ثم إنَّ يوسف ﷺ لما رأى هذه الحالة :﴿ وَقَالَ ياأبت هذا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً ﴾، وهي قوله :﴿ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً ﴾ [ يوسف : ٤ ] وهاذ يقوّي الجواب السَّابع.
والمعنى : أنَّه لا يليق بمثلك على حالتك، في العلم، والدين، والنبوة أن تسجد لولدك إلا أنَّ هذا أمر أمرت به، وأن رؤيا الأنبياء حقٌّ، كما أنَّ رؤيا إبراهيم ﷺ ذبح ولده كان سبباً لوجوب ذلك الذبح عليه في اليقظةِ، لذلك صارت هذه الرُّؤيا التي رآها يوسف سبباً لوجوب السُّجودِ على يعقوب.
قوله :﴿ مِن قَبْلُ ﴾ يجوز أن يتعلق ب « رُؤيَايَ » أي تأويل رؤياي في ذلك الوقت ويجوز أن يكون العامل فيه :« تأوِيلُ » ؛ لأن التَّأويل كان من حين وقوعها هكذا والآن ظهر له، ويجوز أن يكون حالاً من :« رُؤيَايَ » قاله أبو البقاء.
وقد تقدَّم أنَّ المقطوع عن الإضافة لا يقع حالاً.
قوله :﴿ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً ﴾ حال من :« رُؤيَايَ »، ويجوز أن تكون مستأنفة وفي « حَقًّا » وجوه :
أحدها : أنه حال.
والثاني : أنه مفعول ثانٍ.
والثالث : أنه مصدر مؤكد لفعل من حيث المعنى، أي : حقَّقها ربي حقاً بجعله.
قوله :« أحْسنَ بِي » « أحْسنَ » أصله أن يتعدَّى بإلى، قال تعالى :﴿ وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ ﴾ [ القصص : ٧٧ ] فقيل : ضمن معنى :« لَطفَ » متعدّياً بالباءِ، كقوله تعالى :﴿ وبالوالدين إِحْسَاناً ﴾ وقول كثير عزَّة :[ الطويل ]
٣١٥٥ أسِيئِي بِنَا، أو أحْسِنِي لا مَلُومةً | لَديْنَا ولا مَقْليَّةً إنْ تَقلَّتِ |
وفيه نظرٌ؛ من حيث حذف المصدر، وإبقاء معموله، وهو ممنوع عند البصريين.
و « إذْ » منصوب ب « أحْسَنَ »، أو المصدر المحذوف، قاله أبو البقاء وفيه النظر المتقدِّمُ.
والبَدْوُ : ضد الحضارة، وهو من الظُّهورِ، بَدَا يَبْدُوا : إذ سكن البادية.
يروى عن عمر رضي الله عنه :« إذَا بَدوْنَا جَفوْنَا » أي : تخلقنا بأخلاق البدويين.
قال الواحديُّ : البدو بسيطٌ من الأرض يظهرُ فيه الشخص من بعيدٍ، أصله من بَدَا يَبْدُوا بَدْواً، ثم سمي المكان باسم المصدر، ويقال :: بَدْوٌ وحَضَرن وكان يعقوب وولده بأرض كعنان أهل مواشٍ وبريَّةٍ.
وقال ابن عبَّاس رضي الله عنه :[ كان يعقوب قد تحوَّل إلى بدا وسكنها ] ومنها قدم على يوسف، وبها مسجد تحت جبلها.