وثانيها : المعادن على اختلاف طابعئها وصفاتها، وكيفياتها.
وثالثها : النَّبات وخاصيَّة الخشب والورق بخصوصه.
ورابعها : اختلاف حال الحيوانت في أشكالها، وطبائعها، وأصواتها، وخلقها.
وخامسها : تشريح أبدان الناس، وتشريح القوى الإنسانية، وبيان المنافع الحاصلة منها، ومن هذا الباب أيضاً قصص الأولين والملوك الذين استولوا على الأرض، وقهروا العباد، وخربوا البلاد. ماتوا ولم يبق لهم في الدنيا خبر، ثم بقي الوزرُ والعقاب عليهم، قال ابن الخطيب : فلهذا ضبط أنواع هذه الدَّلائل.
فصل
الجمهور على جر الأرض عطفاً على السموات، والضمير في « عَلَيْهَا » للآية، فيكون « يمُرُّون » صفة للآية، وحالاً لتخصُّصها بالوصف بالجر.
وقيل : يعود الضمير في « عَليْهَا » للأرض فيكون « يمُرُّون عليها » حالاً منها.
وقال أبو البقاء : وقيل : منها ومن السَّموات، أي : يكون الحال من الشيئين جميعاً، وهذا لا يجوز؛ إذا كان يجب أن يقال : عليهما، وأيضاً : فإنهم لا يمرُّون في السَّماوات إلا أن يراد : يمرّون على آياتها، فيعود المعنى على عود الضمير للآية، وقد يجاب عن الأول بأنه من باب الحذف؛ كقوله تعالى :﴿ والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ ﴾ [ التوبة : ٦٢ ].
وقرأ السديُّ :« والأرْضَ » بالنَّصب، ووجهه أنه من باب الاشتغال، ويفسَّر الفعل بما يوافقه معنى، أي : يطوفون الأرض، أو يسلكون الأرض.
« يمُرُّون علَيْهَا » كقولك : زَيْداً مررتُ بِهِ، وقرأ عكرمة، وعهمرو بن فايد :« والأرْضُ » على الابتداء، وخبره الجملة بعده، والضمير في هاتين القراءتين يعود على الأرض فقط.
قوله ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بالله إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ ﴾ والمعنى : أنَّهم كانوا مقرِّين بوجود الإله، قال تعالى :﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله ﴾ [ الزمر : ٣٨ ] إلا أنَّهم كانوا [ يُثْبِتُون ] له شريكاً في العبودية.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نزلت في تلبية المشريكن من العرب، كانوا يقولون :« لَبِّيكَ اللَّهُمَّ لبَّيْكَ، لبَّيْكَ لا شريكَ لَكَ إلاَّ شرِيكاً هو لَكَ تمْلِكهُ ومَا مَلَك ».
وعن عطاء رضي الله عنه هذا في الدعاء، قال تعالى :﴿ وظنوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين ﴾ [ يونس : ٢٢ ] ﴿ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البر إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴾ [ العنكبوت : ٦٥ ].
وعن ابن عبَّاس : إن أهل مكة قالوا : الله ربَّنا لا شريك له، والملائكة بناتُه، فلم يوحِّدوا بل أشركوا، وقالت اليهود : ربُّنا الله وحده، وعزيزٌ ابن الله، وقالت النصارى : الله وحده، والمسيح ابن الله.
واحتجت الكرامية بهذه الآية على أن الإيمان : عبارة عن الإقرار باللسان فقط؛ لأنه تعالى حكم بكونهم مؤمنين مع أنَّهم مشركون، وذلك يدلُّ على أن الإيمان عبارةٌ عن مجرَّد الإقرار، وجوابه معلُوم.
قوله تعالى :﴿ أفأمنوا أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ الله ﴾ : عقوبة تغشاهم، وتنبسط عليهم، وتغمرهم.
﴿ أَوْ تَأْتِيَهُمُ الساعة بَغْتَةً ﴾.
قرأ أبو حفص، ومبشر بن عبدالله :﴿ أَوْ تَأْتِيَهُمُ الساعة بَغْتَةً ﴾ بالياء من تحت؛ لأنه مؤنَّث مجازي؛ وللفصل أيضاً، و « بَغْتَةً » : نصب على الحال، يقال : بغَتهُمُ الأمْرُ بغتاً وبَغْتَةً، إذا فاجأهم من حيث لم يتوقَّعوا.
وقوله :﴿ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ الناصب لقوله :« بغْتَةً ».