وقوله « جَاءَهُمْ » : جواب الشِّرط، وتقدَّم الكلام في « حتَّى » هذه ما هِي؟. أي : لمَّا بلغ الحال إلى الحدِّ المذكور؛ جاءهم نصرنا.
فإن قيل : لم يجر ذكر المرسل إليهم فيما سبق، فكيف يحسن عود الضَّمير إليهم؟.
فالجواب : ذكر الرسل يدلُّ على ذكر المرسل إليهم، أو يقول : إن ذكرهم جرى في قولهم :﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلِهِمْ ﴾ ويكون الضمير عائداً عل الذين من قبلهم، من مكذِّبي الرسل.
قوله :﴿ فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ ﴾ قرأ عاصمٌ، وابن عامر بنون واحدة، وجيم مشددة، وياء مفتوحة؛ على أنَّه فعلٌ ماضي مبنيٌّ للمفعول، و « مَنْ » : قائمة مقام الفاعل، والباقون بنونين ثانيتهما ساكنة والجيم خفيفة، والياء الساكنة على أنه مضارع أنْجَى، و « مَنْ » مفعوله، الفاعل ضمير المتكلم المعظم نفسه على الاستقبال، على معنى : فنفعل بهم ذلك، وهه حكاية حالٍ، ألا ترى أنَّ القصَّة فيما مضى، وإنَّما حكى الحالح كقوله تعالى ﴿ هذا مِن شِيعَتِهِ وهذا مِنْ عَدُوِّهِ ﴾ [ القصص : ١٥ ] إشارة إلى الحاضر، والقصَّة ماضية.
وقرأ الحسن، والجحدريُّ، ومجاهد في آخرين كقراءة عاصم، إلا أنَّهم سكَّنوا الياء، والأجود في تخريجها ما تقدَّم، وسكِّنت الياء تخفيفاً، كقراءة :﴿ تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ﴾ [ المائدة : ٨٩ ] وقد سكِّن الماضي الصَّحيح، فكيف بالمعتلِّ؟
كقوله :[ مجزوء الرمل ]
٣١٥٧................ | قَدْ خُلِطْ بِجُلْجُلانْ |
وقيل : الأصل « نُنْجِي » بنونين؛ فأدغم النون في الجيم، وليس بشيء؛ إذا النون لا تدغم في الجيم على أنَّه قد قيل بذلك في قوله :﴿ نُنجِي المؤمنين ﴾ [ الأنبياء : ٨٨ ] كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
وقرأ جماعة كقراءة الباقين إلا أنَّهم فتحوا الياء، قال ابن عطيَّة :« رواها ابن عبيرة، عن حفص، عن عاصم، وهي غلط من ابن هبيرة ».
قال شهابُ الدِّين :« توهَّم ابن عطيِّة أنه مضارع باقٍ على رفعة، فأنكر فتح لامه وغلَّط راويها، وليس بغلط؛ وذلك أنه إذا وقع بعد الشرط والجزاء معاً مضارع مقرون بالفاء، جاز فيه أوجه :
أحدهما : نصبه بإضمار » أن « بعد الفاء، وقد تقدَّم عند قوله :﴿ وَإِن تُبْدُواْ مَا في أَنْفُسِكُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٨٤ ] إلى أن قال :» فَيَغْفِر « قرىء بنصبه، وقد تقدم توجيهه، ولا فرق بين أن تكون أداة الشرط جازمة كآية البقرة، أو غير جازمة كهذه الآية.
وقرأ الحسن أيضاً » فنُنَجِّي « بنونين، والجيم مشددة، والياء ساكنة مضارع » نَجَّى « مشددة للتكثير، وقرأ هو أيضاً ونصر بن عاصم، وأبو حيوة :» َفَنَجَا « فِعْلا ماضياً مخففاً، و » مَنْ « فاعله.