﴿ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ ق. ١٨ ].
وقال عبدالرحمن بن زيد : نزلت هذه الآية في عامر بن الطُّفيل وأربد بن ربيعة، وكانت قصَّتهما على ماروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال :« أقبل عامر بن الطُّفيل، وأربد بن ربيعة، وهما عامريان يريدان رسُول الله ﷺ، وهو جالس في المسجد في نفرٍ من أصحابه، فدخلا المسجد، فاسْتشْرَفَ الناسُ لجمالِ عامرٍ، وكان أعورَ، وكان من أجمل النَّاس، فقال رجل : يا رسول الله هذا عامر بن الطُّفيل قد أقبل نحوك فقال : دعه؛ فإن يرد الله به خيراً يهده، مفأقبل حتى قام عليه، فقال : يا محمد ما لي إن أسلمت؛ فقال ﷺ : لك ما للمسلمين، وعليك ما على المسلمين، قال : تجعلي لي الأمر بن بعدك؛ قال : ليس ذلك إليَّ، إنما ذلك إلى الله تعالى يجعله حيث يشاءُ، فقال : تجعلني على الوبر والمدرِ، قال : لا، قال : فما تجعلي لي؟ قال أجعل لك أعنَّة الخيل تغزُو عليها قال : أوليس ذلك لي اليوم، قم معي أكلمك، فقام معه رسول الله ﷺ وكان عامر أوصى إلى أربد بن ربيعة : إذا رأيتني أكلمه فدُرْ من خلفه، فاضربه بالسيف، فجعل يخاصم رسول الله ﷺ ويراجعه، فدار أربدُ من خلف النبي ليضربه، فاخترط من سيفه شبراً، ثمذَ حبسه الله عزَّ وجلَّ عنده، فلم يقدر على سلّه، وجعل عامرُ يومىء إليه، فالتفت رسول الله ﷺ فرأى أربد وما يصنع بسيفه، فقال :» اللَّهُمَّ أكْفِنِيهما بِمَا شِئْتَ « فأرسل الله على أربد صاعقة في يوم مصحوٍ صائفٍ، فأحرقته، وولّى عامر بنُ الطفيل هارباً، وقال : يا محمد! دعوت ربك فقتل أربد، والله لأملأنَّها عليك خيلاً جرداً، وفتياناً مرداً، فقال النبي ﷺ :» يَمْنَعُكَ اللهُ مِنْ هذا، وأبْناءُ قيْلة « يريد الأوس، والخزرج؛ فنزل عامرٌ بيت امرأة سلوليّة فلما أصبح، ضم عليه سلاحه، وقد تغير لونه، فخرج يركض في الصحراء ويقول : ابرز يا ملك الموت، ويقول الشِّعر، ويقول : واللات لئن أصبح لي محمداً وصاحبه يعني ملك المت لأنفذتهما برمحي؛ فأرسل الله تبارك وتعالى ملكاً فلطمه بجناحه، فأذراه في التراب، وخرجت على ركبته في الوقت غدة عظيمة، فعاد إلى بيت السلولية، وهو يقول :» غُدَّةٌ كغُدةِ البَعيرِ، ومَوْتٌ في بَيْتِ سَلُوليَّة «، ثم دعا بفرسه، فركبه، ثمَّ أجراه حتَّى مات على ظهره، فأجاب الله دعاء رسول الله ﷺ فقُتلَ عامرٌ بالطعن، وأربد بالصَّاعقة »، وأنزل الله في هذه القصَّة :﴿ سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ القول وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بالليل وَسَارِبٌ بالنهار لَهُ مُعَقِّبَاتٌ ﴾ يعنى للرسول ﷺ معقبات يحفظونه من بين يديه ومن خلفه من أمر الله، يعنىم : تلك المعقبات من أمر الله، وفيه تقديرم وتأخير.