ونقل عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما واختاره أبو مسلم الأصفهاني رحمه الله أن المراد يستوي في علم الله السرُّ، والجهر، والمستخفي في ظلمة اللَّيل والسارب بالنهار المستظهر بالمعاونين، والأنصار، وهم الملوك، والأمراء فمن لجأ إلى الله فلن يفوِّت الله سبحانه وتعالى أمره، ومن سار نهاراً بالمعقبات، وهم الأحراس والأعوان الذين يحفظونه لم ينجه حراسه من الله تعالى والمعقب هو العون؛ لأنه إذا نصر هذا وذاك؛ فلا بد وأن ينصر ذاك هذا؛ فنصر كل واحد منهما معاقبة لنصرة الآخر؛ فهذه المعقبات لا تخلص من قضاء الله، وقدره، وهم وإن ظنُّوا أنهم يخلصون مخدومهم من أمر الله، ومن قضائه؛ فإنهم لا يقدرون على ذلك ألبتَّة.
والمقصود من الكلام : بعث السلاطين، والأمراء، والكبراء على أن يطلبوا الخلاص من المكاره من الله، ويعلولوا على حفظه وعصمته ولا يعولوا في دعفها على الأعوان والأنصار؛ ولذلك قال تعالى جل ذكره بعده :﴿ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سواءا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ ﴾.
قال القرطبي :« قيل : إن في الكلام نفياً محذوفاً تقديره : لا يحفظونه من أمر الله تعالى ذكره الماورديُّ.
قال المهدوي : ومن ج عل المعقٍِّبات : الحرس، فالمعنى : م يحفظونه من أمر الله على ظنه، وزعمه.
وقيل : سواء من أسر القول، ومن جهر، فله حراس، وأعوان يتعاقبون عليه، فيحملونه على المعاصي، و »
يَحْفظُونَهُ « من أن ينجع فيه وعظٌ.
قال القشيريُّ : وهذا لا يمنع الرب من الإمهال إلى أن يحق العذابل، وهو إذا غير هذا العاصي ما بنفسه بطول الإصرار، فيصير ذلك سبباً للعقوبة، فكأنه الذي يحل العقوبة »
.
وقال عبدالرحمن بن زيد :« المعقِّبات : ما تعاقب من أمر الله تعالى وقضائه في عباده ».
قال الماورديُّ :« ومن قال بهذا القول، ففي تأويل قوله :﴿ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله ﴾ وجهان :
أحدهما : يحفظونه من الموت ما لم يأت أجله، قاله الضحاك.
الثاني : يحفظونه من الجنِّ، والهوام المؤذية، ما لم يأت قدرٌ، قاله أبو أمامة، وكعب الأحبار رضي الله عنهما فإذا جاء القدر خلوا عنه؟.
قوله :﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ ﴾ : من العافية والنعمة ﴿ حتى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ من [ الحالة الجميلة ] فيعصون ربَّهم.
قال الجبائي، والقاضي : هذه الآية تدلُّ على مسألتين :
الأولى : أنَّه سبحانه لا يعاقبُ أطفال المشركين بذنوب آبائهم؛ لأنَّهم لم يغيِّروا ما بأنفسهم من نعمه، فيغير الهلن حالهم من النِّعمة إلى العذاب.


الصفحة التالية
Icon