وعلى هذا القول ففي هذا المسموع قولان :
أحدهما : أنه ليس بملك؛ لأنَّه عطف عليه الملائكة فقال :﴿ والملائكة مِنْ خِيفَتِهِ ﴾ المعطوف عليه مغايرٌ للمعطوف.
والثاني : لا يبعد أن يكون من جنس الملائكة، وإنَّما أفرده بالذِّكر تشريفاً كقوله تعالى :﴿ وملاائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ ﴾ [ البقرة : ٩٨ ] وقوله تعالى :﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيين مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ ﴾ [ الأحزاب : ٧ ].
وقيل : الرعدُ اسم لهذا الصوت المخصوص، ومع ذلك فإنَّه يسبحُ، قال تعالى ﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ ﴾ [ الإسراء : ٤٤ ].
وقيل : المراد من كون الرَّعد مسبحاً، أن من يسمع الرَّعد فإنَّه يسبح الله تعالى فلهذا المعنى أضيف التسبيح إليه.
قوله :﴿ والملائكة مِنْ خِيفَتِهِ ﴾، أي : الملائكة يسبحون من خيفة الله، وخشيته، وقيل : أراد بهؤلاء الملائكة أعوان الرعد جعل الله تعالى له أعواناً، فهم خائفون خاضعون طائعون.
قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما :« خائفون من الله لا كخوف بني آدم، فإنَّ أحدهم لا يعرف من على يمينه، ومن على يساره لا يشغله عن عبادة الله طعامٌ، ولا شراب ولا شيء ».
قال ابن الخطيب :« والمحققون من الحكماء يقولون : إنَّ هذه الآثار العلوية إنَّما هي تتمُّ بقوى روحانية فكليَّة، فللسّضحاب روح معيَّن في الأرواح الفلكيَّة يدبره، وكذا الرِّياح، وسائر الآثار العلوية، وهذا عين ما قلنا : إنَّ الرعد اسمٌ لملك من الملائكة يسبِّح الله تعالى.
فالذي قاله المفسِّرون بهذه العبارة، هو عين ما ذكره المحققون من الحكماء، فيكيف يليق بالعاقل الإنكار؟ »
.
قوله :﴿ وَيُرْسِلُ الصواعق فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ ﴾ كما أصاب أربد بن ربيعة.
« الصَّواعِقَ » جمع صاعقة، وهي العذاب المهلك ينزل من البرقِ، فتحرق من تصيبه وتقدَّم الكلام عليه في أوَّل البقرةِ.
قال المفسرون : نزلت هذه الآية في عامر الطُّفيل، وأربد بن ربيعة أخي أسد بن ربيعة كما قدمنا.
واعلم أنَّ أمر الصاعقة عجيبٌ جدًّا؛ لأنَّها نارٌ تتولَّد في السَّحاب، وإذا نزلت من السَّحاب فربما غاصت في البحرِ، وأحرقت الحيتان.
قال محمدُ بن عليّ الباقر :« الصَّاعقة تصيبُ المسلم، وغير المسلمِ، ولا تصيب الَّذاكر ».
قوله :﴿ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي الله ﴾ يجوز أن تكون الجملة مستأنفة أخبر عنهم بذلك ويجوز أن تكون حالاً.
وظاهر كالام الزمخشري أنَّها حال من مفعول « تَصِيبُ » فإنَّه قال :« وقيل : الواو للحال، أي : يصيب بها من يشاء في حال جدالهم » وجعلها غيره : حالاً من مفعول « يَشَاء ».


الصفحة التالية
Icon