٢٩٣٥- أعَاذِل شِكَّتِي بَدِنِي وسَيْفِي وكُلُّ مُقلَّصٍ سَلِسِ القِيَادِ
وقال آخرُ :[ الوافر ]
٢٩٣٦- تَرَى الأبْدانَ فِيهَا مثسْبَغَاتٍ عَلى الأبْطَالِ واليَلَبَ الحَصِينَا
أراد بالأبدان : الدُّرُوع، واليَلَبُ : الدروع اليمانية كانت تتخذ من الجلود يُخْرَزُ بعضها إلى بعض، وهو اسم جنس، الواحد : يَلَبَةٌ.
وقيل : بِبدنِكَ أيك عُرْيَان لا شيء عليه، وقيل : بَدَناً بلا رُوحٍ.
والثاني : أن تكون سببيَّة على سبيل المجاز؛ لأنَّ بدنهُ سببٌ في تنجيته، وذلك على قراءةِ ابن مسعود وابن السَّمَيْفَع « بِندَائِكَ » من النِّداءِ، وهو الدُّعاء : أي : بما نادى به في قومه من كفرانه في قوله :﴿ ونادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ ﴾ [ الزخرف : ٥١ ] ﴿ فَحَشَرَ فنادى فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى ﴾ [ النازعات : ٢٣، ٢٤ ] ﴿ ياأيها الملأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرِي ﴾ [ القصص : ٣٨ ]. وقرأ يعقوب « نُنْجِيكَ » مخففاً من أنجاه. وقرأ أبو حنيفة :« بأبْدانِكَ » جمعاً : إمَّا على إرادةِ الأدْرَاع، لأنَّهُ كان يلبسُ كثيراً منها خوفاً على نفسه، أو جعل كُلَّ جُزءٍ من بدنه بدناً كقوله :« شَابَتْ مَفارِقُهُ » ؛ قال :[ الكامل ]
٢٩٣٧-........................ شَابَ المَفارِقُ واكتَسَيْْنَ قتيرَا
التَّنْحِيةِ أي : نُلْقيكَ فيما يلي البحر، قال المفسرون : رماه إلى ساحل البحرِ كالثَّور. وهل تُنَجِّيك من النجاة بمعنى نُبْعِدك عمَّا وقع فيه قومُكَ من قَعْرِ البحر، وهو تهكُّم بهم، أو مِنْ ألقاه على نجوة أي : رَبْوة مرتفعة، أو من النَّجاة، وهو التَّرْكُ أو من النَّجاءِ، وهو العلامة، وكلُّ هذه معانٍ لائقة بالقصَّة، والظَّاهرُ أنَّ قولهُ :﴿ فاليوم نُنَجِّيكَ ﴾ خبرٌ محض. وزعمَ بعضُهُم أنَّه على نيَّة همزةِ الاستفهامِ، وفيه بعدٌ لحذفها من غير دليلٍ، ولأنَّ التلعليل بقوله « لِتكُون » لا يُناسِبُ الاستفهام. و « لِتَكُونَ » متعلقٌ ب « نُنَجِّيكَ » و « آيَةً » أي : علامة وقيل : عِبْرةً وعِظَةً، و « لِمَنْ خَلْفكَ » في محلِّ نصبٍ على الحالِ من « آيَةً » لأنَّه في الأصل صفةٌ لها.
وقرأ بعضهم « لِمَنْ خلقك » آية كسائر الآيات. وقرئ « لِمَن خلَفكَ » بفتح اللاَّم جعله فعلاً ماضياً، أي : لِمَنْ خلفكَ من الجبابرة ليتَّعظُوا بذلك. وقرىء « لِمَنْ خلقَكْ » بالقاف فعْلاً ماضياً، وهو الله تعالى أي : ليجعلك الله آية له في عباده.

فصل


في كونه « لِمَنْ خلفه آيةً » وجوه :
أحدها : أنَّ الذين اعتقدُوا إلاهيته لمَّا لم يُشَاهدُوا غرقه كذَّبُوا بذلك، وزعموا أنَّ مثله لا يموت، فأخرجه الله تعالى بصورته حتى أبصروه وزالت الشُّبْهةُ عن قلوبهم.
الثاني : أنَّه تعالى أراد أن يشاهده الخلق على ذلك الذل والمهانة بعد ما سمعوا منه قوله :﴿ أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى ﴾ [ النازعات : ٢٤ ] ليكون ذلك زَجْراً للخَلْقِ عن مثل طريقته. الثالث : أنه تعالى لمَّا أغرقه مع جميع قومه، ثُمَّ إنَّه تعالى ما أخرج أحداً منهم من قَعْر البَحْرِ، بل خصَّهُ بالإخراج كان تخصيصه بهذه الحالة عجيبة دالة على قدرة الله تعالى، وعلى صدق موسى - ﷺ - في دعوة النبوَّةِ. الرابع : تقدم في قراءة من قرأ لمن خالقك بالقاف أي لتكون لخالقك آية كسائر آياته. ثم قال تعالى ﴿ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ الناس عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ﴾ والظَّاهرُ أنَّ هذا الخطاب لأمة محمد - ﷺ - زجراً لهم عن الإعراض عن الدَّلائل، وباعثاً لهم على التأمُّلِ فيها والاعتبار بها، كما قال تعالى :﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الألباب ﴾ [ يوسف : ١١١ ].


الصفحة التالية
Icon