والكاف في « كباسط » إما نعت لمصدر محذوف، وإما حال من ذلك المصدر، كما تقدم تقريره.
وقال أبو البقاء :« والكاف في » كَباسطِ « إن جعلتها حرفاً كان فيها ضمير يعودُ على الموصوف المحذوف، وإن جعلتها اسماً لم يكن فيها ضمير ».
قال شهابُ الدِّين :« وكون الكاف اسماً في الكلام، لم يقل به الجمهور، بل الأخفش. ويعني بالموصوف ذلك المصدر، والذي قدره فيما تقدَّم ».
ثم قال :﴿ وَمَا دُعَآءُ الكافرين ﴾ أصنامهم :﴿ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ ﴾ يضلّ عنهم إذا احتاجوا إليه، كقوله تعالى :﴿ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ ﴾ [ فصلت : ٤٨ ].
وعن ابن عباس رضي الله عنه :﴿ وَمَا دُعَآءُ الكافرين ﴾ ربهم :﴿ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ ﴾ ؛ لأن أصواتهم محجوبة عن الله عزََّ وجلَّ.
وقيل :﴿ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ ﴾ ؛ في ضياع لا منفعة فيه؛ لأنَّ الله لم يجبهم، وإن دعوا الآلهة لم تستطع إجابتهم.
قوله :﴿ وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السماوات والأرض ﴾ الآية في المراد بهذا السجود قولان :
أحدهما : السجود بوضع الجبهة على الأرض، وعلى هذا القول، ففيه وجهان : د
أحدهما : أنَّ اللفظ، وإن كان عامًّا إلا أنَّ المراد المؤمنون، فبعضهم يسجدُ لله طوعاً بنشاط، وبضعهم يسجد لله كرهاً لصعوبة ذلك عليه، ويتحمل مشقَّة العبادة.
وقيل : المراد بقوله :« طَوعاً » الملائكة، والمؤمنون، و « كَرْهاً » المنافقون، والكافرون الذين أكرهوا على السجود بالسَّيف.
والثاني : أنَّ اللفظ عام.
فإن قيل : ليس المراد :﴿ مَن فِي السماوات والأرض ﴾ يسجد لله؛ لأن الكفَّار لا يسجدون.
فالجواب من وجهين :
الأول : أن المعنى أنه يجب على كلٍّ من في السموات، والأرض أن يعترف بعبودية الله، كما قال :﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله ﴾ [ الزمر : ٣٨ ].
والقول الثاني : أنَّ السُّجود عبارة عن الانقياد، والخضوع، وترك الامتناع، كلُّ من في السموات، والأرض ساجد لله بهذا المعنى؛ لأنَّ قدرته، ومشيئته نافذة في الكُل.
قوله :﴿ طَوْعاً وَكَرْهاً ﴾ إمَّا معفول من أجله، وإمَّا حال، أي : طائعين، كارهين وإمَّا منصوب على المصدر المؤكد بفعل مضمر.
قوله :﴿ وَظِلالُهُم بالغدو والآصال ﴾ قرأ أبو مجلز : والإيصال، بالياء قبل الصَّاد وخرَّجها ابن جني على أنه مصدر « آصل »، كضارب، أي : دخل في الأصيل، كأصبح أي : دخل في الصَّباح، و « ظِلالُهمْ » عطف على « من »، و « بِالغُدوِّ » متعلق ب « يَسْجدُ » والباء بمعنى « فِي »، أي : في هذين الوقتين.


الصفحة التالية
Icon