وقد جمع الشاعر بين الاستعمالين في قوله :[ البيسط ]
٣١٧٥ هَلْ مَا عَلمْتَ ومَا اسْتُودعْتَ مكْتومُ | أمْ حَبْلُهَا إذ نَأتْكَ اليَوْمَ مَصرُومُ |
أمْ هَلْ كثيرٌ بَكَى لمْ يَقْضِ عَبرتَهُ | إثْرَ الأحِبَّة يَوْمَ البَيْنِ مَشْكُومُ |
فصل
قوله :﴿ هَلْ يَسْتَوِي الأعمى والبصير ﴾ كذلك لايستوي المؤمن، والكافر :﴿ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظلمات والنور ﴾ اي كما لا تستوي الظلمات والنور، لايستوي الكفر، والإيمان.
قوله :﴿ أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ ﴾ الجملة من قوله :« خَلقُوا » صفة ل :« شُرَكاءَ »، ﴿ فَتَشَابَهَ الخلق عَلَيْهِمْ ﴾، أي : اشتبه ماخلقوه بما خلقه الله عزَّ وجلَّ فلا يدرون ما خلق الله، وما خلق آلهتهمخ.
والمعنى : أنَّ هذه الأشياء الَّتي زعموا أنها شركاء لله ليس لها خلق يشبه خلق الله حتَّى يقولوا : إنها تشارك الله في الخالقيَّة؛ فوجب أن تشاركه في الإلهيَّة بل هؤلاء المشركون يعلمون بالضرورة أنَّ هذه الأصنام لم يمصدر عنها فعلٌ، ولا خلق، ولا أثر ألبتة، وإذا كان كذلك كان حكمهم بكونها شركاء لله في الإلهيَّة محض السَّفه، و الجهل.
فصل
قال ابن الخطيب :« زعمت المعتزلة أنَّ العبد يخلق حركات، وسكنات مثل الحركات، والسكنات التي يخلقها الله، وعلى هذا التقدير : فقد ﴿ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ ﴾ والله تعالى إنما ذكر هذه الآية في معرض الذَّم، والإنكارِ؛ فدلت على أنَّ العبد لا يخلق أفعال نفسه ».
قال القاضي :« نحن وإن قلنا :» إنَّ العبد يخلق إلاَّ أنَّا لا نطلق القول بأنه يخلق كخلق الله؛ لأن أحداً ما يفعل كقدرة الله، وإنما يفعل لجلب منفعة، ودفع مضرة، والله تعالى منزه عن ذلك؛ فثبت أنَّ بتقدير كون العبدِ خالقاً إلا أنَّه لا يكون خلقه كخلق الله، وأيضاً : فهذا الإلزامُ للمجبرة أيضاً؛ لأنَّهم يقولون عين ما هو خلق الله تعالى فهو كسبٌ للعبد، وفعلٌ له، وهذا عين الشرك؛ لأنَّ الإله، والعبد في ذلك الكسب كالشريكين اللذين لا مال لأحدهما إلا وللآخر فيه أيضاً نصيبٌ، وهو أنه، تعالى إنَّما ذكر هذا الكلام عيباً للكفَّار أن يقولوا : إنَّ الله تعالى خلق هذا الكفر فينا؛ فلم يذمنا، ولم ينسبنا للجهل، والتقصير، مع أنه حصل فينا بغير فعلنا، ولا باختيارنا «.
والجواب عن الأول : هو أنَّ لفظ الخلق عبارة عن الإخراج من العدم إلى الوجود، أو عبارة عن التقديرين، وعلى الوجهين : فبتقدير أن يكون العبد محدثاُ، فإنه لا بد أن يكون حادثاً، أما قوله : والعبد وإن كان خالقاً إلاَّ أنه ليس خلقه كخلق الله تعالى.
قلنا : الخلق عبارةٌ عن الإيجاج التكوين والإخراج من العدم إلى الوجود، ومعلومٌ أنَّ الحركة الواقعة بقدرة العبد لما كانت مثلاً للحركة الواقعة بقدرة الله تعالى كان أحد المخلوقين مثلاً للمخلوق الثاني، وحينئذ يصحُّ أن يقال : إنَّ هذا الذي هو مخلوقٌ للعبد مثل لما هو مخلوق لله تعالى، ولا شك في حصول المخالفة في سائر الاعتبارات، إلاَّ أنَّ حصول المخالفة في سائر الوجوه لا يقدح في المماثلة من هذا الوجه، وهذا القدر يكفي في الاستدلال.