وأما قوله :« هذا لازم على المجبرة حيث قالوا : إنَّ فعل العبد مخولق لله تعالى ».
فنقول : هذا غير لازم؛ لأنَّ هذه الآية [ دالة ] على أنَّه لا يجوز ِأن يكون العبد مثلاً كخلق الله تعالى ونحن لا نثبت للعبد خلقاً ألبتَّة، فكيف يلزمنا ذلك؟.
وأما قوله :« لو كان فعل العبد خلقاً لله لما حسن ذمُّ الكفَّار على هذا المذهب ».
قلنا : حاصلة يرجع إلى أنَّه لما حصل الوجود، وجب أن يكون العبد مستقلاً بالفعل وهنو منقوض؛ لأنَّه تعالى ذمَّ أبا لهب على كفره مع أنَّه علم منه أنَّه يموت على الكفر، وخلاف المعلوم محال الوقوع.
قوله :﴿ قُلِ الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الواحد القهار ﴾ وهذا يدلُّ على أنَّ فعل العبد مخولق لله تعالى ؛ لأنَّ فعل العبد شيء، فوجب أن يكون خالقه هو الله تعالى وأيضاً : فقوله :﴿ وَهُوَ الواحد القهار ﴾ لا يقال فيه : إنه تعالى واحد في أي المعاني، بل الواحد في الخالقية؛ لأن المذكور السابق هو الخالقية، فوجب أن يكون المراد هو الواحد في الخالقية، القهار لكل ما سواه.
فصل
زعم جهم أن الله تعالى لا يقع عليه اسم الشيء.
قال الخطيب :« وهذا الخلاف ليس إلا في اللفظ، وهو أن اسم الشيء هل يقع عليه أم لا؟ فزعم قوم أنهن لا يقع، وجوّزه قومٌ ».
واحتج المانعون : بأنه لو كان شيئاً لوجب أن يكون خالقاً لنفسه، لقوله تعالى :﴿ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [ الزمر : ٦٢ ] وذلك محالٌ؛ فثبت أنه لا يقع عليه اسم الشيء، ولا يقال : إنَّ هذا عام دخله التخصيص؛ لأنَّ العام المخصوص إنَّما يحسن إذا كان المخصوص أقل من الباقي، وأحسن منه، كما يقال : هذه الرُّمَّانة مع أنَّه سقطت حبات ما أكلها، وههنا ذات الله أعلى الموجودات، وأشرفها، فكيف يمكن ذكر اللفظ العام الذي يتناوله مع كون الحكم مخصوصاً في حقِّه.
واستدلُُّوا أيضاً بقوله تعالى :﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [ الشورى : ١١ ] ٍ والمعنى : ليس مثل مثله شيء، ومعلوم أن كل حقيقة [ فإنها ] مثل مثل نفسها، فالباري تعالى مثل مثل نفسه مع أنه تعالى نصَّ على أنَّ مثل مثله ليس بشيء، فهذا تنصيصٌ على أنه تعالى غير مسمى باسم الشيءِ.
واستدلُّوا أ يضاً بقوله تعالى :