وقال الفارسي :« أودية : جع واد ولا نعلم فاعلاً جمع على أفْعِلَة، قال :» ويشبه أن يكون ذلك لتعاقب فاعل، وفعيل على الشيء الواحد، كعَالِم وعَلِيم، وشَاهِد وشَهِيد، ونَاصِر ونَصِير، ووزن فاعل يجمع على أفعالٍ كصاحب وأصحابٍ، وطائرْ وأطيارٍ، [ ووزن ] فعيلٍ يجمع على أفْعِلَة كجَرِيبٍ، وأجْرِبَة، ثم لما حصلت المناسبة المذكورة بين فاعل، وفعيل لا جرم يجمع الفاعل جمع العفيل، فيقال : وادٍ وأودية، ويجمع الفعيل على جمع الفاعل فيقال : يَتِيمٌ وأيْتامٌ، وشَرِيفٌ وأشْرافٌ «.
وقال غيره : ن ظير وادٍ، وأوْدِيَة : نادٍ، وأنْديَة للمجالس وسمي وادِياً : لخروجه وسيلانه، والوادي على هذا اسم للماء السَّائل.
وقال أبو علي :»
سَالتْ أوْديةٌ « فيه توسع، أي : يسالُ ماؤها فحذف، ومعنى » بِقدَرِهَا « أي : بقدر مياهها؛ لأنَّ الأودية ما سالت بقدرِ نفسها ».
قوله :« بِقَدِرهَا » فيه وجهان :
أحدهما : أنه متعلقٌ ب : سَالَتْ «.
والثاني : أنَّه متعلق بمحذوف؛ لأنه صفةٌ للأودية.
وقرأ العامة بفتح الدال، وزيد بن عليّ، والأشهب العقيلي، وأبو عمرو في رواية بسكونها، وقد تقدَّم في البقرة.
قال الواحدي رحمه الله : القَدْرُ والقَدَر : مبلغ الشَّيء، يقال : كم قَدْر هذه الدَّراهم وقَدَرُهَا ومِقْدَارُها؟ أي : كم بلغ في القدر وما يكون مساوياً لها في الوزن فهو قَدرُوهَا »
.
والمَعنى : بدقرها، من الماء فإن صغر الوادي قل الماء، وإن اتَّسع الوادي كثر الماء.
و « احْتَمَلَ » بمعنى حَمَلَ فافتعل بمعنى المجرَّرد، وإنَّما نكَّر الأودية، وعرف السيل؛ لأنَّ المطر ينزلُ في البقاع على المناوبة، فيسيل بعض أودية الأرض دون بعض، وعرف السي؛ لأنه قد فهم من الفعل قبله، وهو قوله :« فَسَالَتْ »، وهو لو نُكِّر لكان نكرة، فلمَّا أعيد أعيد بلفظ التَّعريف نحو « رَأْتَ رجُلاً فأكْرَمْتُ الرَّجُلَ ».
والزَّبدُ : وضرُ الغليان وخبثه؛ قال النابغة :[ البسيط ]

٣١٧٦ فَمَا الفُرَاتُ إذا هَبَّ الرِّياحُ لَهُ تَرْمِي غَوارِبهُ العِبْرَيْنِ بالزَّبدِ
وقيل : هو ما يحمله السِّيل من غثاءٍ ونحوه، وما يرمى به ضَفَّتاه من الحباب، وقيل : هو ما يطرحه الوادي إذا [ سال ] ماؤه، وارتفعت أمواجه، وهي عباراتٌ متقاربةٌ.
والزَّبدُ : المستخرج من اللَّبن. قيل : هو مشتقٌّ من هذه لمشابهته إيَّاه في اللون، ويقال : زبدته زبداً، أي : أعطيته مالاً كالزَّبدِ يضرب به المثل في الكثرةِ، وفي الحديث :« غُفِرتْ ذُنوبهُ، ولوْ كَانتْ مِثْلَ زَبدِ البَحْرِ ».
وقوله تعالى :« رَابِياً » قال الزجاج : طافياً عالياً فوق الماءِ «.
وقال غيره : زائداً بسب انتفاخه، يقال : رَبَا يربُوا إذا زاد.
قوله ﴿ وَمِمَّا يُوقِدُونَ ﴾ هذا الجار خير مقدم، و »
زَبدٌ « مبتدأ، و » مثْلُهُ « صفة المبتدأ، والتقدير : ومن الجواهر التي هي كالنُّحاسِ، والذهب، والفضة زبد، أي : خبثن مثله، أي :» مِثْل زبدِ الماءِ «.


الصفحة التالية
Icon