والثاني : أنه تأكيدٌ، وفي [ تفسير ] هذه الصِّلة وجوه :
أحدهما : صلة الرَّحم، قال صلوات الله وسلامه عليه حاكياً عن ربِّه تعالى أنا الرَّحمنُ، وهِيَ الرَّحمُ شققتُ لها اسماً من اسْمِي فمنْ وصلها وصلتهُ ومن قَطهَا [ قَطَعْتُهُ ] قال تعالى :﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي الأرض وتقطعوا أَرْحَامَكُمْ ﴾ [ محمد : ٢٢ ].
وقال ﷺ :« ثَلاثَةٌ يَأتِينَ يَوْمَ القِيامة لها ذَلَق : تأتي الرَّحِمُ تقول : أيْ ربِّ قُطِعْتُ، والأمَانَةُ تقول : أي ربِّ تُركت، والنِّعمة تقول : أي ربِّ كُفِرْتُ ».
وثانيها : المراد صلة محمدٍ ﷺ ومؤازرته ونصرته في الجهادِ.
وثالثاً : رعاية جميع الحقوق الواجبة للعباد، فيدخل فيه صلة الرَّحم، وأخوة الإيمان قال تعالى :﴿ إِنَّمَا المؤمنون إِخْوَةٌ ﴾ [ الحجرات : ١٠ ] ويدخل في هذه الصلة أيضاً إمدادهم بالخيرات، ودفع الآفات بقدر الإمكان، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، وإفشاء السلام والتبسم في وجوههم، وكف الأذى عنهم، ويدخل فيه كل حيوان حتى الهرة، والدجاجة.
القيد الرابع : قوله :« وَخْشَوْنَ ربَّهُمْ » معناه : أنَّ العبد، وإن قام بكُلِّ ما جَاءَ عليه من تعظيم الله، والشفقة على خلق الله إلا أنه لا بد من وأن تكون الخشية من الله تعالى والخوف منه مستويان.
والفرق بين الخشية، والخوف : أنَّ الخشية أن تخشى وقوع خلل إمَّا بزيادةٍ، أو نقصٍ فيما يأتي به، والخوفُ : هو مخافة الهيبة والجلال.
القيد الخامس : قوله تعالى :﴿ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ ﴾.
وهذا القيد هو المخافة من سوءِ الحسابِ، وهو خوف الجلال، والعظمة، والمهابة، وإلا لزم التكرار.
القيد السادس : قوله تعالى :﴿ وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابتغاء وَجْهِ رَبِّهِمْ ﴾.
قال ابن عبَّاسِ رضي الله عنهما :« عَلى أمْرِ اللهِ ». وقال عطاء :« على المصائب ». وقيل : على الشَّهوات.
واعلم أنَّ العبد قد يصبر لوجوه :
إما أن يصبر ليقال : ما أصبره، وما أشد قوته على تحمل النَّوائب.
وإما أن يصبر لئلا يعاب على الجزع.
وإما أن يصبر لئلا تحصل شماتة الأعداء، وإما أن يصبر لعلمه أنَّ الجزع لا فائدة فيه.
فإذا كان أتى بالصَّبر لأحد هذه الوجوه، لم يكن داخلاً في كمالِ النفس، أمَّا إذا صبر على البلاء لعلمه أن البلاء قسمة القاسم الحكيم العلام المنزه عن العبث، الباطل، والسَّفه وأنَّ تلك القسمة مشتملةٌ على حكمةٍ بالغةٍ، ومصلحةٍ راجحةٍ، ورضي بذلك؛ لأنَّه لا اعتراض على المالك في تصرُّفه في ملكه، فهذا هو الذي يصدق عليه أنه صبر ابتغاء وجه ربه؛ لأنه صبر لمجرَّد طلب رضوان الله.
القيد السابع : قوله تعالى :﴿ وَأَقَامُواْ الصلاة ﴾ واعلم أنَّ الصَّلاة، والزَّكاة، وإن كانتا داخلتين في الجملة الأولى، إلاَّ أنه تعالى أفردهما بالذِّكر تنبيهاً على كونهما أشرف سائر العبادات، ولا يتمنع دخول النَّوافل فيه أيضاً.