الثاني : أنه بدل من « مَنْ أنَابَ ».
والثالث : أنه عطف بيان له.
الرابع : أنه خبر مبتدأ مضمر.
الخامس : أنه منصوب بإظمار فعل.

فصل


قال ابن عباس رضي الله عنهما : إذا سمعوةا القرآن خشتع قلوبهم واطمأنت.
فإن قيل : أليس قال في سورة الأنفال :﴿ إِنَّمَا المؤمنون الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ [ الأنفال : ٢ ] والوجل ضد الاطمئنان، فكيف وصفهم هنا بالاطمئنان؟.
فالجواب من وجوه :
أحدها : أ، هم إذا ذكروا العقوبات ولم يأمنوا أن [ يقربوا ] المعاصي فهناك الوجل وإذا ذكروا ما وعد الله به من الثواب والرحمة سكنت قلوبهم، فإن أحد الأمرين لا ينافي الآخر؛ لأن الوجل هو بذكر العقاب والطمأنينة بذكر الثواب.
وثانيها : أن المراد أن يكون القرآن معجزاً يوجب حصو الطمأنينة لهم في كون محمد ﷺ نبياً حقاً من عند الله، ولما شكوا في أنهم أتوا بالطاعات كاملة فيوجب حصول الوجل في قلوبهم.
وثالثها : أنه حصل في قلوبهم أنهم هل أتوا بالطاعات الموجبة للثواب أم لا؟ وهل احترزوا عن المصعية الموجبة للعقاب أم لا؟.
وقيل : الوجل عند ذكر الله : الوعيد والعقاب، الطمأنينة عند ذكر الله عزّ وجل : الوعد والثواب، فالعقاب توجل إذا ذكرت عدل الله وشدة حسابه، وتطمئن إذا ذكرت فضل الله وكرمه ﴿ أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب ﴾ تسكن قلوب المؤمنين ويستقر فيه اليقين.
قال ابن عباس رحمه الله :« هذا في الحلف، يقول : إذا حلف السملم بالله على شيء تسكن قولب المؤمنين إليه ».
قوله ﴿ بِذِكْرِ الله ﴾ يجوز أن يتعلق ب « تَطْمئِنُّ » فتكون الياء سببية، أي : بسبب ذكر الله.
وقال أبو البقاء : ويجوز أن مفعولاً به، أي : الطمأنينة تحصل لهم بذكر الله.
الثاني : أنه متعلق بمحذوف على أنه حال من « قلوبهم »، أي : تطمئن وفيها ذكر الله.
قوله :﴿ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات ﴾ فيه أوجه :
أن يكون بدلاً من « القُلوب » على حذف مضاف أي : قلوب الذين أمنوا وأن يكمون بدلاً من « مَنْ أنَابَ »، وهذا على قول من لم يجعل الموصول الأول بدلاً من « مَنْ أنَابَ » وإلا كان يتوالى بدلان، وأن يكون مبتدأ، و « طُوبَى » جملة خبرية، وأن تكون خبر مبتدأ مضمر، وأن يكون منصوباً بإضمار فعل، والجملة من « طُوبى لَهُمْ » على هذين الوجهين حال مقدرة، والعامل فيها ءامَنُوا « و » عَمِلُوا :.
قوله « طُوبى لَهُم » وتاو « طُوبَى » منقلبة عن ياء، لأنها من الطيب وإنما قلبت لأجل الضمة قبلها، كموسر وموقن من اليسر واليقين واختلفوا فيها، فقيل : هي اسم مفرد مصدري، كبُشْرَى ورُجْعَى من طَابَ يطِيبُ.
وقيل : بل هي جميع طيبة، كما قالوا : كوسى في جمع كيسة، وضُوقَى في جمع ضِيقَة.


الصفحة التالية
Icon