قوله :﴿ كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ ﴾ الكاف في محل نصب كانظائرها.
قال الزمخشري :« مثل ذلك الإرسال أرسلناك يعن : إرسالا ً له شأن ».
وقيل : الكاف متعلقة بالمعنى الذي قبله في قوله :﴿ إِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَآءُ ويهدي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ ﴾ [ الرعد : ٢٧ ]، أي كما أنفذ الله هذا كذلك أرسلناك.
وقال ابن عطية :« الذي يظهر لي أن المعنى كما أجرينا العادة بأن الله يضل ويهدي لا بالآيات المقترحة فكذلك فعلنا أيضاً في هذه الأمة أرسلناك إليها بوحي لا بأيآت مقترحة ».
وقال أبو البقاء : وكذلك :« الأمر كذلك » فجعلها في موضع رفع.
وقال الحوفي : الكاف للتشبيه في موضع نصب، أي : كفعلنا الهداية والإضلال والإشارة بذلك إلى ما وصف به نفسه من أن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء وتكون الكاف للتشبيه.
قال ابن عباس والحسن رضي الله عنهم أي : أرسلناك كما أرسلنا الأنبياء قبلك.
وقيل : كما أرسلنا إلى أمم وأعطيناهم كتباً تتلى عليهم كذلك [ أعطيناك ] هذا الكتاب وأنت تتلوه عليهم.
قوله :« قَد خَلتْ » جملة في محل جر صفة ل « أمَّة »، و « لِتَتْلُ » متعهلق ب « أرْسلْنَاك » والمعنى : أنه فسر كيف أرسله فقال :﴿ في أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَآ أُمَمٌ ﴾ أي : أرسلناك في أمة قد تقدمها أمم وهم آخر الأمم وأنت آخر الأنبياء « لتتلو » لتقرأ عليهم الذي أوحينا إليك وهو الكتاب العظيم.
قوله :﴿ وَهُمْ يَكْفُرُونَ ﴾ يجوز أن تكون هذه الجملة استئنافية، وأن تكون حالية والضمير في « وهم يكفُرون » عائد على « أمَّة » من حيث المعنى، ولو عاد على لفظها لكان التركيب : وهي تكفر.
وقيل : الضمير عائد على « أمَّة » وعلى « أممٍ ». وقيل : عائد على الذين قالوا :« لوْلاَ أنْزِلَ ».
فصل
قال قتادة ومقاتل وابن جريح : الآية مدنية نزلت في صلح الحديبية وذلك أن سهل بن عمرو لما جاءوا واتفقوا على أن يكتبوا كتاب الصلح، فقال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه لعلي كرم الله وجهه : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم. قالوا لا نعرف إلى الرحمن إلا صاحب اليمامة يعنون : مسليمة الكذاب، اكتب كما كممنت تكتب : باسمك اللهم فهذا معنى قوله :﴿ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بالرحمن ﴾ والمعروف أن الآية مكية، وسبب نزولها : أن أبا جهل سمع النبي س ﷺ وهو في الحجر يدعو الله يا رحمن فرجع إلى المشركين، وقال : إن محمداً يدعو إلهين : يدعو الله ويدعو الرحمن إلهاً آخر يسمى الرحمن، ولا نعرف الرحمن إلاّ رحمن اليمامة فنزلت هذه الآية، ونزل قوله تعالى :