والثاني : رابطة بين القسم والمقسم عليه، كما تقدم.
فصل
قال المفسرون : إن أصحاب رسول الله صلوات الله وسلامه عليه لما سعموا كلام المشركين طمعوا في أن يفعل الله تعالى ما سألوا فيؤمنوا، فنزل ﴿ أَفَلَمْ يَيْأَسِ الذين آمنوا ﴾ يعني الصحابة من إيمان هؤلاء، يعني : الم ييأسوا وكل من علم شيئاً ييِأس عن خلافه.
يقول : ألم يؤيسهم العلم ﴿ أَن لَّوْ يَشَآءُ الله ﴾.
فصل
احتج أهل السنة بقوله :﴿ أَن لَّوْ يَشَآءُ الله ﴾ وكلمة « لَوْ » تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره، والمعنى : أنه تعالى ما شاء هداية جميع الناس والمعتزلة تارة يحملون هذه المشيئة على مشيئة الإلجاء، وتارة يحملون هذه المشيئة على مشيئة الهداية إلى طريق الجنة، ومنهم من يجري الكلام على الظاهر، ويقول : إنه تعالى ما شاء هداية جميع الناس لأنه ما شاء هداية الأطفال والمجانين فلا يكون مبايناً لهداية جميع الناس، وقد تقدم الكلام على هذه المسألة مراراً.
قوله تعالى :﴿ وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ ﴾ ألآية قيل : أراد جميع الكفار؛ لأن الوقائع الشديدة [ التي وعقت لبعض الكفار من القتل والسبي، أوجب حصول الغم ] في قلوب الكل.
وقيل : أراد بعض الكفار وهم جماعة معينون، فتكون الألف واللام للعهد، والمعنى لا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا من كفرهم وأعمالهم القبيحة « قارِعَةٌ » أي : نازلة وداهيةٌ تقرعهم من أنواع البلاء أحياناً بالجدب وأحياناً بالسلب وأحياناً بالقلب.
يقال : قرعه أمر إذا أصابه، والجمع قوارع، والأصل في القرع : الضرب أي : لا يزال الكافرون تصيبهم داهية مهلكة من صاعقة كما أصاب أربد، أو من قتل أو أسر أو جدب أو غير ذلك من العذاب والبلاء كما نزل يخاطب المستهزئين من رؤساء المشركين.
وقال ابن عباس رضي الله عنه : أراد كفار قريش يصيبهم بما صنعوا برسول الله ﷺ من العداوة والتكذيب بأن لايزال يبعث السرايا فتغير حول مكة وتختطف منهم وتصيب من مواشيهم «.
قوله » أوْ تَحُلُّ « يجوز أن يكون فاعله ضمير الخطاب، أي : تحل أنت يا محمد وأن يكون ضمير القارعة، وهذا أبين، أي : تصيبهم قارعة أو تحل القارعة، وموضعها نصب عطف علىخبر » يَزالُ «.
وقرأ ابن جبير ومجاهد :» أوْ يَحُلُّ « بالياء من تحت، والفاعل على ما تقدم إما ضمير القارعة وإنما ذكر العفل؛ لأنها بمعنى العذاب ولأن التاء للمبالغة، والمراد : قارع وإما ضمير الرسول صلوات الله وسلامه عليه أتى به غائباً، وقرأ أيضاً :» مِن دِيَارهِمْ « جمعاً، وهي واضحة.