ثم قال جل ذكره ﴿ يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ ﴾، أي : أن اكتساب العباد معلوم لله تعالى وخلاف المعلوم ممتنع الوقوع، وإذا كان كذلك فلا قدرة للعبد على الفعل والترك، فكان الكل من الله تعالى.
قالت المعتزلة : الآية الأولى إن دلت على قلوكم، فقوله ﴿ يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ ﴾ دليل على قولنا، لأن الكسب هو الفعل المشتمل على دفع مضرة أو جلب منفعة، ولو كان حدوث الفعل [ بخلق ] الله تعالى لم تكن لقدرة العبد فيه أثر، فوجب أن لا يكون للعبد فيه كسب.
والجواب : أن جميع القدرة مع الداعي مستلزم للفعل وعلى هذا التقدير فالكسب حاصل للعبد.
ثم إنه تعالى أكد ذلك التهديد فقال جل ذكره ﴿ وَسَيَعْلَمُ الكفار ﴾ قرأ ابن عامر والكوفيون « الكُفَّار » جمع تكسير والباقون :« الكَافِرُ » بالإفراد ذهاباً إلى الجنس.
وقرأ عبدالله « الكَافِرُونَ » جمع سلامة.
قال الزمخشري :« قرىء : الكَّفارُ والكَافرُون والذين كفرُوا، والكَافِرُ ».
قال المفسرون : والمراد بالكافر : الجنس، كقوله تعالى :﴿ إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ ﴾ [ العصر : ٢ ].
وقال عطاء رحمه الله تعالى : يريد المستهزئين وهم خمسة، والمقتسمين وهم ثمانية وعشرون « وقال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد أبا جهل، والأول هو الصواب.
قوله :﴿ وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً ﴾ الآية لما حكى عن القوم أنهم أنكروا كونه رسولاً من عند الله احتج عليهم بأمرين :
الاول : شهادة الله تعالى على نبوته، والمراد من تلك الشهادة تعالى أظهر المعجزات على صدقه في ادعاء الرسالة، وهذا أعظم مراتب الشهادة لأن الشهادة قول يفيد غلبة الظن، وإظهار المعجزة فعل مخصوص يوجب القطع بكونه رسولاً من عند الله، فكان إظهار المعجزة أعظم مراتب الشهادة.
والثاني : قوله ﴿ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب ﴾ العامة على فتح ميم »
مَنْ « وهي موصولة، وفي محلها أوجه :
أحدها : أنها مجرورة المحل نسقاً على لفظ الجلالة، أي : بالله وبمنْ عِندْهُ علمُ الكتابِ كعبد الله بن سلام ونحوه.
والثاني : أنها في محل رفع عطفاً على محل الجلالة، إذ هي فاعلة، والباء مزيدة فيها.
والثالث : أن يكون مبتدأ وخبره محذوف، أي : ومن عنده علم الكتاب أعدل وأمضى قولاً، و ﴿ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب ﴾ يجوز أن يكون الظرف صلة و »
عِلْمُ « فاعل به، واختاره الزمخشري وتقدم تقريره.


الصفحة التالية
Icon