و « يَسْتحِبُّونَ » استفعل فيه بمعنى أفْعَلَ، كاسْتَجابَ بمعنى أجَابَ، أو يكون علتى بابه، وضمن معنى الإيثار، ولذلك تعدّى ب « عَلَى ».
وقرأ الحسن :« يُصدُّونَ » بضم الياء من « أصَدَّ »، و « أصَدَّ » منقولٌ من « صَدَّ » اللازم، والمفعول محذوف، أي : غيرهم أو أنفسهم، ومنه قوله :[ الطويل ]
٣١٩١ أنَاسٌ أصَدُّوا النَّاسَ بالسَّيْفِ عَنهُمْ | ......................... |
قوله تعالى :﴿ الذين يَسْتَحِبُّونَ الحياة الدنيا عَلَى الآخرة ﴾ فيه إضمار تقديره : يستحبّون الحياة الدنيا، ويؤثرونها على الآخرة؛ فجمع تعالى بين هذين الوصفين ليبين بذلك أن الاستحباب للدُّنيا وحده لا يكون مذموماً إلاَّ أن يضاف إليه إيثارها على الآخرة، [ وأما ] من أحبَّها ليصل بها إلى منافع النَّفس بثوابِ الآخرة؛ فذلك لا يكونُ مذموماً.
والنوع الثاني من أوصاف الكفار : قوله عزَّ وجلَّ ﴿ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله ﴾ أي : يمنعوا النَّاس من قبول دين الله.
والنوع الثالث من تلك الصفات قوله :﴿ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً ﴾. واعلم انَّ الإضلال على مرتبتين.
الأولى : أن يسعى في صدّ الغير.
والثانية : أن يسعى في إلقاء الشُّكوكِ، والشبهات في المذهب الحق، ويحاول تقبيح الحق بكل ما يقدر عليه من الحيلِ، وهذا هو النهاية في الضلال، والإضلال، وإليه أشار بقوله :﴿ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً ﴾.
قال الزمخشريُّ :« الأصل في الكلام أن يقال : ويبغون لها عوجاً؛ فحذف الجار وأوصل الفعل ».
وقيل : الهاء راجعة إلى الدُّنيا معناه : يطلبون الدُّنيا على طريق الميل عن الحق، أي : بجهة الحرام.
ولما ذكر الله تعالى هذه المراتب قال في وصفهم :﴿ أولئك فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ ﴾ وإنَّما وصف الله تعالى هذا الضلال بالبعد لوجوهٍ :
الأول : أنَّ أقصى مراتب الضلال هو البعد عن الطريق الحقّ، فإنَّ شرط الضدين أن يكونا في غاية التَّباعدِ كالسَّواد، والبياض.
الثاني : أن المراد بعد ردّهم عن الضَّلال إلى الهدى.
الثالث : أن امراد بالضَّشلال : الهلاك، والتقدير : أولئك في هلاك يطُولُ عليهم فلا ينقطع، وأراد بالبعد : امتداده وزوال انقطاعه.