﴿ يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً ﴾ [ البقرة : ٢٦ ].
قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بِآيَاتِنَآ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظلمات إِلَى النور ﴾ الآية لما بين أنَّه إنَّما أرسل محمداً ﷺ ليخرجهم من الظُّلمات إلى النُّور، وذكر كمال نعمة الله عليه وعلى قومه بذلك الإرسال أتبع ذلك بشرح بعثة سائر الرسل صلوات الله وسلامه عليهم إلى أقوامهم ليكون ذلك تصبيرأ للرسول صلوات الله وسلامه عليه على أذى قومه فقال :﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بِآيَاتِنَآ ﴾ قال الأصم : آيات موسى ﷺ وهي العصا، واليد، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، وفلق البحر، وانفجار العيون من الحجر، وإظلال الجبل، وإنزوال المن والسلوى.
وقال الجبائي آياته : دلائله وكتبه المنزلة عليه، فقال في صفة محمد ﷺ :﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ الناس مِنَ الظلمات إِلَى النور ﴾ [ إبراهيم : ١ ] وقال في حق موسى صلوات الله وسلامه عليه ﴿ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظلمات إِلَى النور ﴾ [ إبراهيم : ٥ ] والمقصود من بعثة سائر الرسل عليهم الصلاة والسلام واحد وهو أن يسعو في أخراج الخلق من الضَّلالات إلى نور الهدايات.
قوله :« أنْ أخْرِجْ » يجوز أن تكون « أنْ » مصدرية، أي : بأن أخرج والباء في « بِآيَاتِنا » للحال، وهذه للتعدية، ويجوز أن تكون مفسرة للرسالة بمعنى أي، ويكون المعنى : أي : أخرج قومك من الظلمات، أي : قلنا له : أخرج قومك كقوله ﴿ وانطلق الملأ مِنْهُمْ أَنِ امشوا ﴾ [ ص : ٦ ]. وقيل : بل هي زائدة، وهو غلط.
قوله :« وذَكِّرْهُمْ » يجحوز أن يكون منسوقاً على « أخْرِجْ » فيكون من التفسير، ويجوز أن لا يكون منسوقاً؛ فيكون مستأنفاً.
و « أيَّام : عبارة عن نعمة تعالى؛ كقوله :[ الوافر ]

٣١٩٣ وأيَّامٍ لنَا غُرٍّ طِوَالٍ عَصيْنَا المَلْكَ فِيهَا أنْ نَدِينَا
أو نقمه؛ كقوله :[ الطويل ]
٣١٩٤ وأيَّامُنَا مَشْهُورَة في عَدُوِّنَا ..........................
ووجهه : أن العرب تتجوز فتسند الحدث إلى الزمان، مجازاً أو تضيفه إليها كقولهم : نَهارٌ صَائمٌ، ولَيلٌ قَائمٌ، و ﴿ مَكْرُ الليل ﴾ [ سبأ : ٣٣ ].
قال الواحديُّ :»
أيَّام جمع يوم، واليوم هو مقدار المدَّة من طلوع الشَّمس إلى غروبها، وكان في الأصل : أيوامٌ، فاجتمعت الياء، والواو، وسبقت إحداهما بالسُّكونِ فقلبت الراء ياء، وأدغمت إحداهما في الأخرى فقلبت ياء «.

فصل


قال ابنُ عبَّاسٍ، وأبيُّ بن كعب، ومجاهدٌ وقتادة رضي الله عنهم وذكرهم بنعم الله. وقال مقاتلٌ : بوقائع الله في الأمم السَّالفة. يقال : فلان عالم بأيَّام العرب، أي : بوقائعهم، فأراد بما كان في أيَّام الله من النَّعمة، والمحنة فاجتزأ بذكر الأيام عنه؛ لأنَّها كانت معلومة عندهم، والمعنى : عظهم بالترغيب والترهيب، والوعد، والوعيد، فالتّرغيب، والوعد : أن يذكرهم ما أنعم الله عليهم وعلى من قبلهم ممن آمن بالله ممن سلف من الأمم والترهيب والوعيد أن يذكرهم بأس الله وعذابه النازل بمن كذب بالرسل فيما سلف من الأيَّام، كعادٍ، وثمود وغيرهم.


الصفحة التالية
Icon