واعلم أن أيَّام الله في حقِّ موسى ﷺ منها ما كانت أيام محنة وبلاء، وهي الأيام التي كانت بنو إسرائيل تحت قهر فرعون. ومنها : ما كانت راحة ونعماً كأيَّام إنزال المن، والسلوى، وفلق البحر، وتظليل الغمام.
﴿ إِنَّ فِي ذلك ﴾ التّذكر « لآياتِ » دلائل ﴿ لِّكُلِّ صَبَّارٍ ﴾ كثير الصّبر ﴿ شَكُورٍ ﴾ كثير الشُّكر.
فإن قيل : ذلك التذكر آيات للكلّ، فلم خصّ الصَّبَّار الشَّكور بالذِّكر؟.
فالجواب : أنهم هم المنتفعون بالذكر بتلك الآيات كقوله :﴿ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ [ البقرة : ٢ ].
وقيل : لأن الانتفاع بهذا النَّوع من الذكر لا يمكن حصوله إلا للصَّبَّار الشَّكور.
ولما أمر موسى ﷺ أن يذكرهم بأيَّام الله، وحكى عن موسى ﷺ، أنَّه ذكَّرهم فقال تعالى :﴿ وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ ﴾.
فقوله :﴿ أَنجَاكُمْ ﴾ ظرف للنعمة، بمعنى الإنعام، أي : اذكروا نعمة الله عليكم في ذلك الوقت.
قوله :﴿ إِذْ أَنجَاكُمْ ﴾ يحجوز في ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يكون منصوباً ب « نِعْمَةَ ».
الثاني : أن يكون منصوباً ب « عَلْكُمْ »، ويوضح ذلك ما ذكره الزمخشري رحمه فإنه قال :« إذْ أنْجَاكُمْ » ظرف للنعمة بمعنى الإنعام، أي : إنعامه عليكم ذلك الوقت.
فإن قلت : هل يجوز أن ينتصب ب « عَليْكُمْ ».
قلت :« لا يخلُو إما أن يكون [ إنعام ] صلة للنعمة بمعنى الإنعام [ أو غير ] صلة، إذا أردت بالنعمة العطية، فإذا كان صلة لم يعمل فيه ويتبين الفرق بين الوجيهن، أنَّك إذا قلت : نعمة الله عليكم، فإن جعلته صلة لم يكن كلاماً حتى تقول فائضة أو نحوها وإلا كان كلاماً ».
الثالث : أنه بدل من عمة أي : اذكروا وقت إنجازكم، وهو بدل اشتمال، وتقدم الكلام في « يسومونكم ».
قوله :« ويذبحون » حال أخرى من آل فرعون، وفي البقرة دون « واو » لأن قصد التفسير لسؤال العذاب، وفي التفسير لا يحسن ذكر الواو، وتقول : أتاني القوم : زيدٌ وعمرو، وذلك قوله تعالى :﴿ وَمَن يَفْعَلْ ذلك يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ ﴾ [ الفرقان : ٦٨، ٦٩ ] لما فسر الآثام بمضاعفة العذا بحذف الواو، وهاهنا أدخل الواو بمعنى أنهنم يعذبونهم بالتذبيح وبغيره، فالسوم هنا غير السوم هناك.
وقرأ بان محيصن « يَذْبَحُونَ » مخففاً، و « يستحيون نساءكم » يتركونهن أحياء، « وفي ذلك بلاء من ربكم عظيم »، وفي كونه بلاء وجهان :
الأول : أن تمكين الله أياهم من ذلك الفعل بلاءٌ من الله.
والثاني : أن ذلك إشارة إلى الإنجلاء، وهو بلاء عظيم، والبلاء هو الابتلاء، وذلك قد يكون بالنعمة تارة، وبالمحنة أخرى، قال تعالى :