[ الأنفال : ٣٨ ] فثبت أنَّ جميع ما ذكروه من التأويلات ضعيف ساقط، بل المراد ما ذكرناه هو أنَّه يغفر بعض ذنوبه من غير توبةٍ؛ بشرط أن يأتي بالإيمان، فبأن تحصل هذه الحال للمؤمن أولى.
قال تعالى :﴿ وَيُؤَخِّرَكُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾. قيل : المعنى : إن آمنتم، أخر الله موتكم إلى أجل مسمى، وإلا عاجلكم بعذاب الاستئصال.
وقال ابن عباسٍ رضي الله عنهما : يمنعكم في الدُّنيا باللذات إلى الموت.
فِإن قيل : أليس قال :﴿ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [ الأعراف : ٣٤ ]. فكيف قال هنا :﴿ وَيُؤَخِّرَكُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ ؟.
قلنا : تقدَّم الكلام في هذه المسألة في قوله :﴿ ثُمَّ قضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى ﴾ [ الأنعام : ٢ ] في الأنعام.
ولما ذكر الرسل عليهم الصلاة والسلام هذا الكلام للكفار قالوا :﴿ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ﴾ وهذا الكلام يشتمل على ثلاثة أنواع من الشبه :
الأولى : أن الأشخاص الإنسانية متساوية في تمام الماهية فيتمنع أن يبلغ التفاوت بين تلك الأشخاص إلى هذا الحد وهو أن الواحد منهم رسولاً من الله تعالى مطلعاً على الغيب، مخالطاً لزمرة الملائكة، والباقون غافلون عن هذه الأحوال أيضاً كانوا يقولون : إن كنت قد فارقتنا في هذه الأحوال العالية الإلهية الشريفة وجب أيضاً أن تفارقنا في الأحوال الخسيسة، وهي الحاجة إلى ألاكل، والشرب، والحديث والوقاع، وهذه الشبهة هي المراد من قولهم ﴿ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ﴾ : أي في الصورة ولستم ملائكة، وإنَّما تريدنون بقولكم أن تصدُّونا عمَّا كان يعبد آباؤنا.
وهذه الشبهة الثانية : وهي التمسك بالتقليد، وهي أنهم وجدوا آباءهم وعلماءهم مطبقين على عبادة الأوثان.
قالوا : ويبعد أن أولئك القدماء على كثرتهم وقوة خاطرهم لم يعرفوا بطلان هذا الدين.
الشبهة الثالثة : قالوا : المعجز لا يدلُّ على الصدق؛ لأن الذي جاء به أؤلئك الرسل طعنوا فيه وزعموا أنَّها أمور متعادة ليست من باب المعجزات الخارجية عن قوَّة البشر؛ فلذلك قالوا :« فأتُونَا بسُلْطانٍ مُبِينٍ » أي : بحجة بينة على صحَّة دعواكم.
قوله « تُرِيدُونَ » يجوز أن يكون صفة ثانية ل « بَشرٌ » وحمل على معناه، لأنه بمنزلة القوم والرهط، كقوله :﴿ أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا ﴾ [ التغابن : ٦ ] وأن يكون مستأنفاً.
وقوله :« أنْ تَصدُّونَا » العامة على تخفيف النون، وقرأ طلحة بتشديدها كما شدد :« تدعونّا » وفيها تخريجان :
أحدهما : ما تقدَّم في نظيرتها على أن تكون هي المخففة لا النَّاصبة، واسمها ضمير الشأن، وشذّ عدم الفصل بينها، وبين الجملة الفعلية.
والثاني : أنَّها ناصبة، ولكن أهلمت حملاً على « مَا » المصدرية كقراء :﴿ أَن يُتِمَّ ﴾ [ البقرة : ٢٣٣ ]. برفع « يُتِمُّ » وقد تقدَّم القول فيه.
قوله تعالى :﴿ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ﴾ الآية لما حكمة عن الكفَّارم طعنهم في النُّبوة حكى عن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم جابهم فقالوا :﴿ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ﴾ سلموا أنَّ الأمر كذكل لكنهم بيَّنوا أن التماثل في البشرية لا يمننع من اختصاص بعض البشرِ بمنصب النبوة؛ لأنَّ هذا المنصب يمُنُّ الله به على من يشاء من عباده، وإذا كان كذلك سقطت شبهتكم.