وأمَّا الجواب عن شبهة التقليد وهي قولهم : إطباقُ السلف لذلك الدين يدل على كونه حقًّا، فجوابه عين الجواب المذكور، وهو أنَّه لا يبعدُ أ، يظهر الرَّجل الواحد مالم يظهر للخلق الكثير؛ لأن التمييز بين الحق، والباطل، والصدق، والكذب عطية من الله وفضل منه؛ فلا يبعد أن يخص عبده بهذه العطية، ويحرم الجمع العظيم منها.
وأما الجواب عن الشهبة الثالثة وهي قولهم : إنا لا نرضى بهذه المعجزات التي أتيتم بها، وإنما نريد معجزات قاهرة أوقى منها، فأجابوا عنها بقولهم :﴿ وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله ﴾ أي : أنَّ المعجزة التي أتينا بها حجة قاطعة قوية ودليل تام، وأمَّا الأشياء التي تطلبتموها، فأمور زائدة والحكم فيه لله تعالى فإن أظهرها فله الفضل، وإن لم يظهرها فله العدل، ولا يحكم بعد ظهور قدر الكفاية.
قوله :﴿ وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأْتِيَكُمْ ﴾ يجوز أن يكون خبر :« كَانَ » « لَنَا »، و :« إنْ نَأيِتَكُمْ » أسمها، أي : وما كان لنا إتيانكم بسورة، و ﴿ إِلاَّ بِإِذْنِ الله ﴾ حالٌ، ويجوز أن يكون الخبر ﴿ إِلاَّ بِإِذْنِ الله ﴾، و « لَنا » تبين.
والظاهر أنَّ الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم لما أجابوا عن شبهاتهم بهذا الجواب أخذ القوم التَّخويف، والوعيد فعند ذلك قال الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم لا نخاف من تخويفكم بعد أن تولكنا على الله :﴿ وَعلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون ﴾.
قوله :﴿ وَمَا لَنَآ أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى الله ﴾ كقوله سبحانه :﴿ وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ الله ﴾ [ البقرة : ٢٤٦ ].
والمعنى : ما لنا أن لا نتوكل على الله، وقد عرفنا أنه لاينال شيء إلا بقضائه وقدره :﴿ على مَآ آذَيْتُمُونَا ﴾ بين لنا الرشد وبصرنا النجاة.
قوله :« ولنَصْبِرنَّ، جواب قسم، وقوله :﴿ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا ﴾ يجوز أن تكون » مَا « مصدرية، وهو الأرجح لعدم الحاجة إلى رابط ادعي حذفه على غير قياس.
والثاني : أنها موصولة اسمية، والعائد محذوف على التدرج؛ إذ الأصل : آذيتمونا به، ثم حذف الباء فوصل الفعل إليه بنفسه وقرأ الحسن رحمه الله : بكسر لام الأمر في » فَليتَوكَّل « وهو الأصل.
والمراد بهذا التوكل على الله في دفع شر الكفار فلا يلزم التكرار وقيل : الأول لاستحداث التوكل، والثاني طلب دوامه.
قوله تعالى :﴿ وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ ﴾ الآية لما حكى عن الأنبياء صلوات لله وسلامه عليهم توكلهم على الله في دفع شرور أعدائهم حكى عن الكفار أنهم بالغوا في السفاهة وقالوا :﴿ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ﴾ أي لا بد من أحد الأمرين.